للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المعاني دون مرتبته، والأوصاف دون وصفه، وكل غلوٍّ في حقه تقصير، فيضيق على البليغ مجال النظم، وعند التحقيق إذا اعتبرت جميع الأمداح التي فيها غلوّ بالنسبة إلى من فرضت له وجدتها صادقة في حق النبي -صلى الله عليه وسلم، حتى كان الشعراء على صفاته يعتمدون, وإلى مدحه كانوا يقصدون، وقد أشار الأبوصيري بقوله: "دع ما ادعته النصاري في نبيهم" إلى ما أظرت النصارى به عيسى بن مريم من اتخاذه إليها.

قال النيسابوري: إنهم صحَّفوا في الإنجيل "عيسى نبي وأنا ولدته" فحرفوا الأول بتقديم الباء وخففوا اللام في الثاني، فلعنة الله على الكافرين.

فإن قلت: هل ادَّعى أحد في نبينا -عليه السلام- ما ادعى في عيسى؟

أجيب بأنهم قد كادوا أن يفعلوا نحو ذلك حين قالوا له -عليه السلام: أفلا


يحاولونه، فإن المعاني" التي يتصورونها مادحة له "دون مرتبته", أي: حقيقة صفاته الحميدة، فإن وصفوه، بها قصروا في حقه، "والأوصاف دون وصفه، وكل غلوّ" بمعجمة، أي: كل وصف تجاوز قائله فيه الحد المتعارف بين الناس، أو بمهملة، أي: ارتفاع في الوصف زائد على العادة، في حقه تقصير" قليل بالنسبة لمقامه، "فيضيق على البليغ مجال النظم" بميم وجيم، أي: العمل الذي يجول فكره فيه ليأخذ المعاني التي يستحسنها وتليق عنده، "وعند التحقيق إذا اعتبرت جميع الأمداح التي فيها غلوا -بمعجمة ومهملة- بالنسبة إلى مَنْ فرضت له، وجدتها صادقة في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كان الشعراء" إذا حاولوا الثناء على أحد بأكمل الصفات، وصفوه ببعض أوصاف، صفات المصطفى الممكن ثبوتها للمدوح, وكأنَّهم على صفات يعتمدون؛ لأنه غاية طاقتهم، "وإلى مدحه كانوا يقصدون، وقد أشار الأبوصيري بقوله: دع ما ادعته النصارى في نبيهم، ومنه أخذ الحلي قوله في بديعيته:
دع ما تقول النصارى في نبيهم ... من التغالي وقل ما شئت واحتكم
"إلى ما أطرت النصارى به عيسى بن مريم من اتخاذه إلهًا" كما قال تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} الآية. قال النيسابوري: إنهم صحَّفوا في الإنجيل عيسى نبي" -بنون تليها موحدة, وأنا ولدته -بالتثقيل- خلقت ولادته من مريم بلا أب، فحرَّفوا الأول بتقديم الباء، على النون, وخففوا اللام في الثاني, فلعنة الله على الكافرين المحرفين للكلم عن مواضعه, "فإن قلت: هل ادعى أحد في نبينا -عليه السلام- ما ادعي في عيسى؟ أجيب بأنهم قد كادوا" قاربوا "أن يفعلوا نحو ذلك" وما فعلوا "حين قالوا له -عليه السلام" في قصة سجود الأشجار له والجمل والغنم: "أفلا" الهمزة داخلة على محذوف،

<<  <  ج: ص:  >  >>