وفي حديث أنس عند الدارمي وغيره: إن جبريل قال للنبي، وآره حزينًا، وهو ما أورده في الشفاء، وهو جملة حالية، أي: وقد رآه محزونًا لعدم طاعة قومه في أول البعثة؛ إذ عرض نفسه على القبائل، "قد خضب بالدماء" لأنه "ضرَّ به بعض أهل مكة" لما صدع بأمر الله، فاجتمعوا عليه وأخذوه، وقالوا: أنت جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فما دنا منهم أحد إلّا وأبو بكر يدفعهم عنه، وهو يقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، كما مَرَّ في المقصد الأول، "فقال له مالك: " أي: شيء عرض لك حتى جلست حزينًا؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فعل بي هؤلاء" الكفار، "وفعلوا" بتكرير الفعل، إشارة إلى تكرر أذاهم، وكثرة أنواعه من غير حصر، لا أنه مرتين فقط، فهو على حد كرتين، ورب ارجعون، ولا يقال حذف المفعول يؤذن بالعموم؛ لأنا نقول العموم ولو في نوع فقط، بخلاف تكرار الفعل، وفي حديث علي عند البزار: أخذته قريش، فهذا يجؤّه، وهذا يتلبَّبه. وفي حديث عمرو بن العاص: ما رأيت قريشًا أرادوا قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا يوم أغروا به، وهم في ظل الكعبة، وهو يصلي عند المقام، "فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟ " معجزة تزيل حزنك، لأن الجماد إذا أطاع دعوته دلَّ ذلك على أن الناس تطيعه بعد، لكنَّ تأخير ذلك لحكم خفية، أو آية تدل من نظر إليها، أو علمها على صدقك، ويزول بها حزنك، "فقال: "نعم" أحب ذلك ليزول حزني، وأعلم أن الله سينصرني، ويلين قلوب قومي لإجابة دعوتي، "فنظر إلى شجرة من وراء الوادي" الذي كان فيه مع جبريل، "فقال" جبريل: "ادع تلك الشجرة" أي: مرها أن تأتي إليك، ولم يأمرها هو، إشارة إلى أن المعجزة له لا لجبريل، "فدعاها, قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه, فقال" جبريل: "مرها