إن الأصوات لا يستلزم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل.
أجيب: بأنه كذلك، ونحن لم نجعل الحياة لازمة، إلّا أنَّ الشوق إلى الحق شوقًا معنويًّا عقليًّا لا طبيعيًّا بهيميًّا. ومذهب الشيخ أبي الحسن أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها. وقد بينَّا أن هذه المعاني وجدت في الجذع، وأطلق الحاضرون على صوته أنه حنين، وفهموا أنه شوق إلى الذكر وإلى مقام الحبيب عنده، وقد عامله النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المعاملة، فالتزمه كما يلتزم الغائب أهله وأعزته يبرد غليل شوقهم إليه وأسفهم عليه، ولله در القائل:
وحنَّ إليه الجذع شوقًا ورِقَّةً ... ورجع صوتًا كالعشار مرددا
فبادره ضمًّا فقَرَّ لوقته ... لكل امرئ من دهره ما تعوّدا
"إن الأصوات لا يستلزم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل"؛ إذ الأصوات من العرض عند الأكثرين، ولم يخالف فيه إلّا النظام، وجعل الأشعري الأصوات اصطكاك الجواهر بعضها ببعض، وذلك لا يستلزم الحياة والإرادة. "أجيب: بأنه كذلك، ونحن لم نجعل الحياة لازمة" للصوت حى يلزمنا مخالفة الأشعري، "إلّا أن الشوق إلى الحق" إنما يكون "شوقًا معنويًّا", فهو خبر محذوف، أَوْلَى من تخريجه على نصب أنَّ الجزأين "عقليًّا لا طبيعيًّا بهيميًّا، ومذهب الشيخ أبي الحسن" الأشعري، "أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها، وقد بينَّا أن هذه المعاني وجدت في الجذع، وأطلق الحاضرون على صوته أنه حنين، وفهموا أنه شوق إلى الذكر، وإلى مقام الحبيب عنده، وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به، "وقد عامله النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المعاملة" معاملة الحي العاقل، "فالتزمه" اعتنقه وضمَّه، "كما يلتزم الغائب أهله وأعزته، يبرد غليل:" حرارة "شوقهم إليه، وأسفهم:" حزنهم "عليه", ففيه دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان، بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لمن حمل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] الآية، على ظاهر، كما في الفتح, "ولله در القائل" وهو صالح بن الحسين الشاعر، في قصيدة طويلة: "وحنَّ" صوت "إليه الجذع شوقًا" أي: لأجل شوقًا، أو هو مفعول مطلق، أي: اشتاق إليه شوقًا عظيمًا، فالتنوين للتعظيم، "ورقة ورجّع صوتًا كالعشار" بكسر العين وخفة الشين، "مرددًا،" بفتح الدال، صفة صوتًا، وكسرها حال من فاعل رجع: أي: ورجع الجذع حال كونه مرددًا الترجيح صوتًا كصوت العشار، "فبادره ضمًّا" اعتناقًا، "فَقَرَّ" سكن "لوقته لكل امرئ من دهره ما تعوّدا", يعني: إنه أمر مطَّرد في كل من اعتاد أمرًا وانقطع عنه، فإنه يتألم