للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام بذلك. قاله ابن القاص، وردوه عليه، حكاه الحجازي في مختصر الروضة عن نقل الرافعي.


السلام بذلك" بقوله: "اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تخلفنيه إنما أنا بشر، فأيما مؤمن أذيته أو شتمته، أو جلدته أو لعنته، فاجعلها صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة". رواه الشيخان من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم، وفي لفظ له: "اللهم إني بشر، أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس هو لها بأهل أن تجعلها له طهورًا وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة". وفيه روايات آخر متقاربة.
وفي مسلم أيضًا عن عائشة: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فسبهما ولعنهما، فلما خرجا قلت له، فقال: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي، قلت: اللهم إنما أنا بشر فأيما". الحديث، قال في الفتح: قال المازري: إن قيل كيف يدعو بدعوة على من ليس لها بأهل، قيل: المراد ليس بأهل لذلك عند الله في باطن الأمر، لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه، فكأنه يقول: من كان في باطن أمره عندك ممن ترضى عنه، فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورًا وزكاة، قال: وهذا معنى صحيح لا استحالة فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم متعبد بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله، انتهى. لكنه مبني على أنه كان يجتهد في الأحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده.
أما على أنه لا يحكم إلا بالوحي، فلا يتأتى فيه هذا، وأجاب المازري أيضًا بأن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في كلامها بلا نية؛ كقوله لغير واحد، "تربت يمينك" , و "عقري حلقي" , ومثل: "لا كبرت سنك ولا أشبع الله بطنك"، ونحو ذلك مما لا يقصد منه حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيئًا من ذلك، فسأل الله، ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورًا، وأجرًا، وهذا إنما يقع منه في النادر الشاذ من الزمان، ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا لعانًا، ولا منتقمًا لنفسه، وقيل له: ادع على دوس، فقال: "اللهم اهد دوسًا"، وقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، وأشار عياض إلى ترجيح هذا الجواب.
قال الحافظ: وهو حسن إلا أنه يرد عليه قوله في إحدى الروايات: "أو جلدته"، إذ لا يقع الجلد بلا قصد، وقد ساق الجميع مساقًا واحدًا، إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه، "قاله ابن القاص وردوه عليه، حكاه الحجازي في مختصر الروضة عن الرافعي" ولعل وجه رده لشمول كلامه لمن دعا عليه بسبب يقتضي الدعاء، وإلا فالحديث كما رأيت مصرح بما قاله.
وفي الشامية: وبأن له تعزير من شاء، أي: باللعن وغيره بغير سبب يقتضيه، ويكون له

<<  <  ج: ص:  >  >>