للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور". رواه البخاري.

والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن عنده علم بذلك حتى أعلمه الله تعالى، فقد أخبر عن نفسه الكريمة أنه أول من ينشق عنه القبر.

وهو أول من.


منه، واستشكل كون جميع الخلق يصعقون، مع أن الموتى لا إحساس لهم، فقيل: المراد من كان حيًا إذ ذاك والأموات هم المستثنون في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} الآية، أي: من سبق له الموت قبل ذلك، فيصعق.
وأما الأنبياء، ففي حكم الأحياء، وقيل: المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض، وهي غشية تحصل للناس في الموقف.
قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة" الأخيرة، كما في الرواية، "فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" أي بعمود من عمده، وللشيخين من حديث أبي هريرة، أيضًا: "باطش بجانب العرش"، أي: آخذ بشيء منه بقوة، فالبطش الأخذ بقوة، "فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" لما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقًا، وفي الصحيحين، أيضًا: "فما أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله"؟، أي: في قوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} الآية، فلم يصعق، وكل من الأمرين فضيلة ظاهرة لكن لا يلزم من فضله من هذه الجهة أفضليته مطلقًا، ولا منافاة بين الروايتين لأن المعنى لا أدري، أي: هذه الثلاثة كانت الإفاقة، أو الاستثناء، أو المحاسبة، "رواه البخاري" ومسلم وغيرهما، وبه استشكل كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض وأول من يفيق، مع التردد في خروج موسى من قبره، وأجاب عياض باحتمال أن هذه الصعقة ليست النفخة الأولى ولا الثانية التي يعقبها النشور، بل صعقة تأتي يوم القيامة حين تنشق السماء والأرض، ورده القرطبي بأنه صلى الله عليه وسلم صرح بأنه يخرج من قبره فيلقى موسى متعلقًا بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث.
قال: ويؤيده أنه عبر بقوله: أفاق؛ لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي وبعث من الموت، ولذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة، لأنها لم تكن موتًا بلا شك، وإذا تقرر ذلك ظهر صحة الحمل على أنها غشية تحصل للناس في الموقف، وأجاب المصنف كغيره، بقوله: "والظاهر أن عليه الصلاة والسلام لم يكن عنده علم ذلك" أي: كونه أول "حتى أعلمه الله تعالى" بأنه أول، "فقد أخبر عن نفسه الكريمة أنه أول من ينشق عنه القبر" كما مر في الأحاديث المفيدة علمه بإفاقته قبل موسى، فحينئذ يكون ممن استثنى الله أو جوزي بصعقة الطور، "وهو أول من يجيز" بضم الياء،

<<  <  ج: ص:  >  >>