للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منام، وبأن "الرؤيا" و"الرؤية" واحدة كقربى وقربة، ويشهد له قول ابن عباس في الآية -كما عند البخاري-: هي رؤية أريها -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به، وزاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث: وليس رؤيا منام: ولم يصرح في رواية البخاري بالمرئي.

وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس، وهذا مما يستدل به على إطلاق لفظ: "الرؤيا" على ما يرى بالعين في


الليل وسرعة تقضيه" حتى "كأنه منام"، فهو مجاز علاقته المشابهة، "وبأن الرؤيا" بالألف "والرؤية" "بالتاء" "واحدة"، يعني أن كلا منهما يستعمل موضع الآخر "كقربى وقربة"، وهذا نقله ابن دحية ولفظه.
قال أهل اللغة: رأيت رؤية ورؤيا مثل قربة وقربى، "ويشهد له قول ابن عباس" وهو من أئمة اللسان "في" تفسير "الآية، كما عند البخاري: هي رؤية عين أريها -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسرى به"، فاستعمل ابن عباس الرؤيا "بالألف" في البصرية، "وزاد سعيد بن منصور عن سفيان" بن عيينة راويه عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، "في آخر الحديث وليس منام"، فهو دليل قوي على استعمال كل منهما موضع الآخر.
قال الحافظ: وقد تمسك بكلام ابن عباس هذا من قال: الإسراء منام، ومن قال: يقظة فالأول أخذه من لفظ الرؤيا لاختصاصها برؤيا المنام، والثاني من قوله: أريها ليلة الإسراء إذ لو كان منامًا كذبه الكفار ولا فيما هو أبعد منه، وإذا كان يقظة والمعراج تلك الليلة تعين كونه يقظة أيضًا إذ لم ينقل أنه نام لما وصل بيت المقدس، ثم عرج به وهو نائم، "ولم يصرح في رواية البخاري بالمرئي"، بل لفظه ما قدمه المصنف.
قال الحافظ عقب ما نقلته عنه: وإذا كان يقظة فإضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب، وقد أثبت الله في القرآن رؤيا القلب، فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] الآية، ورؤيا العين، فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى} [النجم: ١٧-١٨] .
وروى الطبراني في الأوسط بإسناد قوي عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه مرتين ومن وجه آخر قال: نظر محمد إلى ربه، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد، فإذا تقرر ذلك ظهر أن مراد ابن عباس هنا برؤيا العين جميع ما ذكره -صلى الله عليه وسلم- من الأشياء في تلك الليلة.
"وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس" مما يأتي بعضه، "وهذا مما يستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة"، كما تطلق على رؤيا المنام، "وهو يرد من خطا المتنبي", ولا عبرة بإنكار ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>