للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخنا: وكلها ضعيفة، بل جنح الذهبي إلى الحكم على ذلك بالوضع. انتهى.

ولم يقل صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس" عجبًا وافتخارًا على من دونه، حاشاه الله من ذلك، وإنما قاله إظهارًا لنعمة الله عليه، وإعلامًا للأمة بقدر إمامهم ومتبوعهم عند الله، وعلو منزلته لديه، لتعرف نعمة الله عليهم وعليه، وكذلك العبد إذا لاحظ ما هو فيه من فيض المدد، وشهده من عين المنة ومحض الجود، وشهد مع ذلك فقره إلى ربه في كل لحظة، وعدم استغنائه عنه طرفة عين أنشأ له ذلك في قلبه سحائب النور، فإذا انبسطت هذه السحائب في سماء قلبه، وامتلأ أفقه بها أمطرت عليه وابل الطرب مما هو فيه من لذيذ السرور، فإن لم يصبه وابل فطل، وحينئذ يجري على لسانه الافتخار من غير عجب ولا فخر، بل هو فرح بفضل الله


"قال شيخنا" السخاوي: "وكله ضعيفة، بل جنح": مال "الذهبي إلى الحكم على ذلك بالوضع" انتهى، ولم يتبين لي ذلك، إذ ليس فيها وضاع ولا كذاب ولا متهم، والحاكم إنما أورد حديث عائشة من الطريقين، وإن كان فيهما ضعف، شاهد الحديث ابن عباس الذي صححه؛ لأن زواته من رجال الصحيح.
"ولم يقل صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس" عجبًا وافتخارًا على من دونه والفخر ادعاء العظم والمباهاة، "حاشاه من ذلك" إذ هو سيد المتواضعين، "وإنما قاله إظهارًا لنعمة الله عليه" لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} [الضحى: ١١] ، "وإعلامًا للأمة بقدر إمامهم ومتبوعهم عند الله، وعلو منزلته لديه، لتعرف نعمة الله عليهم وعليه"، وليعتقدوا فضله على من سواه.
قال القرطبي: ولأنه مما أمر بتبليغه، لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك، وأنه حق في نفسه، فإن قيل: هذا راجع للاعتقاد، فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد، قلنا: من سمع شيئًا من هذه الأمور منه صلى الله عليه سولم مشافهة حصل له العلم به، كالصحابة، ومن لم يشافهه حصل له العلم به من طريق التوتر المعنوي، لكثرة أخبار الآحاد به.
"وكذلك العبد" أي: عبد من عباد الله الكاملين، "إذا لاحظ ما هو فيه من فيض المدد، وشهده من عين المنة ومحض الجود، وشهد مع ذلك فقره إلى ربه في كل لحظة، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، أنشأ له ذلك في قلبه سحائب النور" وفي نسخة: السرور والنور أولى، "فإذا انبسطت هذه السحائب في سماء قلبه، وامتلأ أفقه بها أمطرت عليه وابل: الطرب مما هو فيه من لذيذ السرور، فإن لم يصبه وابل" مطر شديد "فطل" مطر خفيف، والمعنى أنه يزكو وينمو، كثر المطر، أو قل، "وحينئذ يجري على لسانه الافتخار من غير

<<  <  ج: ص:  >  >>