للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: ما الجمع بين هاتين الآيتين، وبين قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] .


ذلك "فإن قلت: ما الجمع بين" كل من "هاتين الآيتين" {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} [البقرة: ٢٥٣] الآية، {لقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: ٥٥] الآية، فإن كلًا منهما صريح في التفضيل وعدم التفريق في قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة: ١٣٦] الآية، دال على التسوية، كجملة أحاديث، كما قال: "وبين قوله تعالى" خطايا للمؤمنين: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} من القرآن {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم} من الصحف العشر، {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} أولاد يعقوب، {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى} من التوراة، {وَعِيسَى} من الإنجيل، {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} من الكتب والآيات، {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} فنؤمن ببعض، ونكفر ببعض، كاليهود والنصارى، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] وأورد أن بين إنما تقع على اثنين، كجلست بين زيد وعمرو، وأحد في الآية مفرد؛ لأنه بمعنى واحد لا بعينه، فكيف صح دخول بين عليه، وأجيب بأ، هـ باعتبار معطوف حذف لظهوره، أي: بين أحد منهم وبين غيره، وفيه دلالة صريحة على تحقيق عدم التفريق بين كل فرد منهم وبين من عداهم، كائنًا من كان، بخلاف ما لو قيل: لا نفرق بينهم، وأجاب الكشاف؛ بأن أحد في معنى الجماعة بحسب الوضع.
قال التفتازاني: لأنه اسم لمن يصلح أن يخاطب، يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث، ويشترط أن يكون استعماله مع كلمة كل، أو في كلام غير موجب، وهذا غير الأحد اللذي هو أول العدد في مثل: {قُلْ هُوَ اللَّه} [الإخلاص: ١] ، قال: وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي على ما سبق إلى كثير من الأوهام، ألا ترى أنه لا يستقيم، لا نفرق بين رسول من الرسل، إلا بتقدير عطف، أي: رسول ورسول، وقال في: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه} ، من زعم أن معنى الجمع في أحد أنه نكرة في سياق النفي، فقد سها، وإنما معناه ما ذكر في كتب اللغة؛ أنه اسم لمن يصلح أن يخاطب، فحين أضيف بين إليه، أو أعيد ضمير جميع إليه، أو نحو ذلك، فالمراد به جمع من الجنس الذي يدل عليه الكلام، فمعنى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ} ، بين جمع من الرسل، ومعنى، "فما منكم من جماعة"، ومعنى: {لَسْتُنَّ كَأَحَد} [الأحزاب: ٣٢] الآية، كجماعة من جماعات النساء، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>