للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عواتقهم، ويحملون الحجارة، ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم فلبط به -بالموحدة، كعنى أي سقط من قيامه كما في القاموس- ونودي: عورتك، فكان ذلك أول ما نودي.


إزار، يذكر ويؤنث، "على عواتقهم ويحملون الحجارة، ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم" بأمر العباس، فروى الشيخان عن جابر، قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة، ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق، فقال: "إزاري إزاري"، فشد عليه إزاره، فما رئي بعد ذلك عريانًا. "فلبط به بالموحدة، كعنى" فهو من الأفعال التي جاءت بصيغة المبني للمفعول، وهي بمعنى المبني للفاعل، "أي: سقط من قيامه؛ كما في القاموس، ونودي" يا محمد، غط "عورتك" روى عبد الرزاق والطبراني والحاكم عن أبي الطفيل، قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدور وكانت ذات ركنين، فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبًا من جدة انكسرت فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارًا فقدموا به وبالخشب ليبنوا به البيت، فكانوا كلما أرادوا القرب لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها، فبعث الله طيرًا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها، فألقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة، فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها، فنودي: يا محمد خمر عورتك، فلم ير عريانًا بعد ذلك.
ففي قول السراج بن الملقن في شرح البخاري: لعل جزعه لانكشاف جسده، وليس في الحديث، يعني حديث جابر المتقدم أنه انكشف شيء من عورته تقصير؛ لأنه وإن لم يكن فيه فقد ورد في غيره، وخير ما فسرته بالوارد نعم ليس المراد العورة المغلظة.
"فكان ذلك أول ما نودي" زاد في رواية أبي الطفيل: فما رأيت له عورة قبل ولا بعد، وذكر ابن إسحاق في المبعث: وكان صلى الله عليه وسلم يحدث عما كان الله يحفظه في صغره أنه قال: "لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل الحجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم لذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة، ثم قال: شد عليك إزارك، فشددته عليّ، ثم جعلت أحمل وإزاري عليّ من بين أصحابي".
قال السهيلي: إنما وردت هذه القصة في بنيان الكعبة، فإن صح أن ذلك كان في صغره فهي قصة أخرى، مرة في الصغر، ومرة بعد ذلك، قلت: قد يطلق على الكبير غلام إذا فعل فعل الغلمان فلا يستحيل اتحاد القصة اعتمادًا على التصريح بالأولية في حديث أبي الطفيل، كذا في

<<  <  ج: ص:  >  >>