للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدره، وعلو منصبه، ورفعة ذكره ما يقضي بأنه استولى على أقصى درجات التكريم، ويكفي إخباره تعالى بالعفو عنه ملاطفة قبل ذكر العتاب في قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] ، وتقديم ذكره على الأنبياء تعظيمًا له، مع تأخره عنهم في الزمان في قوله تعالى: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: ٧] وأخباره بتمني أهل النار طاعته في قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: ٦٦] ، وهذا بحر لا ينفد وقطر لا يعد.


تضمن الكتاب العزيز" القوي الغالب، "من التصريح بجليل رتبته وتعظيم قدره"، أي: رتبته وشرفه، "وعلو منصبه"، بزنة مسجد العلو والرفعة، كما في المصباح كغيره، "ورفعة ذكره ما يقضي بأنه استولى على أقصى درجات التكريم" أي: أعلاها، "ويكفي إخباره تعالى بالعفو عنه ملاطفة" معاملة وشفقة، والماعلة مجازية لتنزيل استحقاقه بمنزلة فعله، أو هي لأصل الفعل بلا مشاركة، "قبل ذكر العتاب في قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] فقدم عفا الله عنك، دعامة تقصد بها الملاطفة، إذ هو خبر معناه: لا عهدة عليك، وليس المعنى أن الإذن ذنب يتعلق به العقوبة؛ لأن مسامحته لهم مع أذاهم إسقاط للحظوظ، فهو عتب بلطف، لا ملامة فيه، أي: قد بلغت في الامتثال والاحتمال الغاية، وزدت في طاعة الله ومحبته، والرفق بالبر والفاجر ما أجحف بك، فهو من عتب الحبيب من حيفة على نفسه، وتخفيف لا تعنيف، ومدح لا قدح، ويأتي بسط هذا إن شاء الله.
"و" يكفي في ذلك أيضًا "تقديم ذكره على الأنبياء تعظيمًا له" إذ التقديم يعطيه، "مع تأخره عنهم في الوجود في قوله تعالى": {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قيل معناه: تبليغ الرسالة وتصديق بعضهم بعضًا، وقيل: أن يعلنوا بنبوة المصطفى، ويعلن هو بأنه لا بني بعده، ففيها تفضيل له من وجوه، منها: أنه ذكر النبيين جملة، ثم خص بالذكر بعضهم تشريفًا لهم، وقدمه صلى الله عليه وسلم عليهم تشريفًا على تشريف، وهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم في قول، وإخباره بتمني أهل النار طاعته في قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا} للتنبيه، {لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: ٦٦] ، وهذا بحر لا ينفد" "بفتح الفاء: لا يفرغ "وقطر "بفتح القاف وسكون الطاء"، أي: مطر "لا يعد" لكثرته، أو "بضم القاف"، أي: إقليم لا يمكن عد نواحيه وبلاده لكثرتها، جوازهما شيخنا في التقرير، واقتصر في الحاشية، على الفتح؛ لأنه أظهر والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>