للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشخاص والأوقات، وبهذا بان لنا معنى حديثين كانا خفيًا عنا.

أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الناس كافة، كنا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة، فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم".

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نبيًا وآدم بين الروح والجسد"، كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك، وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده الشريف


"والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات" كعادم الماء لمرض أو سفر فرضه التيمم، واعترض بأن النصوص العقلية والنقلية ناطقان بخلافه، كقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: ١٦٣] ، وما هي معناها من الآيات، والأنبياء مع تعظيمهم له، ومحبتهم ليسوا مكلفين بأحكام شرعه، وإلا لم يكونوا أصحاب شرع، فالمحبة والتعظيم معنى، والتعبد بشرعه معنى آخر، ولا عبرة بظنهما أمرًا واحدًا، وقوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِه} ، دون بشرعه، مناد عليه، فما تبجح به السبكي واستحسنه هو ومن بعده لا وجه له عند من له أدن بصيرة نقادة، وكيف يتأتى ما قاله مع قوله تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣] فإن عكسه، وقد طلب موسى أن يكون من أمته، فأجابه الله بقوله: استقدمت واستأجر ولكن سأجمع بينك وبينه في دار الجلال. انتهى، وتعسفه لا يخفى، فإن قوله ذلك من جملة مدخول له في قوله: لو بعث في زمان عيسى أو موسى إلى آخره، فسقط جميع ما قاله، ومن أقوى تعسفه قوله: ليسوا مكلفين بأحكام شرعه، فإنه لم يدع تكليفهم به، بل إن شعائرهم على تقدير وجوده في أزمانهم شرع له فيهم.
"وبهذا بان" ظهر واتضح "لنا معنى حديثين كانا خفيا" أي: بعد إدراكهما "عنا، أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الناس كافة"، كنا نظن أنه في زمانه إلى يوم القيامة، فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم.
"والثاني قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نبيًا وآدم بين الروح والجسد" رواه أحمد والبخاري في التاريخ، وأبو نعيم وغيرهم: "كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك" على ما شرحناه يعني بقوله أولصا أنه قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد يكون قوله: "كنت نبيًا" إشارة إلى روحه وحقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفته، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده بنور إلهي، ويؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقته صلى الله عليه وسلم قد تكون من حين خلق آدم، أتاها ذلك الوصف، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وإفاضة عليها من ذلك الوقت، فصار نبيًا، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت، وإن تأخر جسده المتصف بها، إلى أن قال: فقد علم أن من فسره بعلم الله؛ بأنه سيصير نبيًا لم يصل إلى هذا المعنى؛ لأن علمه

<<  <  ج: ص:  >  >>