للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: إنه كان رسولًا حقًا، أو ما كان كذلك، فإن كان رسولًا حقًا امتنع الكذب عليه، ووجب الجزم بكونه صادقًا في كل ما يدعيه، فلما ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي أنه مبعوث إلى جميع الثقلين، وجب كونه صادقًا، وذلك يبطل قول من يقول: إنه كان مبعوثًا إلى العرب فقط، لا إلى بني إسرائيل.

وإذا ثبت هذا فنقول: قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} من الناس من يقول: إنه عام دخله التخصيص، ومنهم من أنكر ذلك.

أما الأولون فقالوا: دخله التخصيص من وجهين:

الأول: أنه رسول إلى الناس إذا كانوا من جملة المكلفين، فإذا لم يكونوا من جملة المكلفين لم يكن رسولًا إليهم، وذلك؛ لأنه عليه السلام قال: "رفع القلم


إرخاء العنان للخصم للزوم الحجة له، "فإن كان رسولٌا حقًا" كما اعترفت به أيها الخصم، "امتنع الكذب عليه"، لاستحالته على الرسول، "ووجب الجزم بكونه صادقًا في كل ما يدعيه" ومنه أنه رسول إلى بني إسرائيل، "فلما ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية" لما يقل بصريحها، لاحتمال أن أل فيها للجنس، ولكن يمنعه، أو يبعد التأكيد بقوله جميعًا؛ "أنه كان يدعي أنه مبعوث إلى جميع الثقلين، وجب كونه صادقًا، وذلك يبطل قول من يقول: إنه كان مبعوثًا إلى العرب فقط، لا إلى بني إسرائيل" وعبر بيدعي؛ لأن الإدعاء قول يخالف الظاهر، كما قدمه، وهذا وإن طابق الواقع بحسب نفس الأمر، لكنه مخالف للظاهر، فلذا أتى بالأدلة والبراهين لإثبات رسالته.
"وإذا ثبت هذا، فنقول قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم جَمِيعًا} ، من الناس من يقول: إنه عام دخله التخصيص، ومنهم من أنكر ذلك".
"أما الأولون" ترك عديله إما لظهوره، أي: وأما المنكرون، فقالوا: هو باق على عمومه، والتكليف، ووصول خبر الرسالة ليس شرطًا في الرسالة، وإنما هو شرط في المؤاخذة بما بلغه.
"فقالوا: دخله التخصيص من وجهين: الأول: أنه رسول الله إلى الناس، إذا كانوا من جملة المكلفين" لا مجانين وصبيانًا، "فإذا لم يكونوا من جملة المكلفين لم يكن رسولًا إليهم، وذلك؛ لأنه عليه السلام قال" كما رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، عن علي وعمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث" كناية عن عدم التكليف؛ لأنه يلزم منه الكناية، وعبر برفع إشعارًا؛ بأن التكليف لازم لبني آدم، لا ينفك

<<  <  ج: ص:  >  >>