للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقسم الله تعالى على إنعامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه له وإعطائه ما يرضيه، وذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوته، وعلى جزائه في الآخرة فهو قسم على النبوة والمعاد.


أو أصحابه {مَا وَدَّعَكَ} قرأ الجمهور بشد الدال من التوديع، وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام بتخفيف الدال بمعنى تركك.
وكذا قرأ مقاتل وابن أبي عيلة، وفي الحديث: "لينتهن قوم عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين"، أخرجه مسلم وغيره، ولينتهن "بضم الياء التحتية وفتح الفوقية والهاء"، ليدل على واو الضمير المحذوفة، إذ أصله لينتهونن، وفي الحديث أيضًا: "شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره"، وقال الشاعر:
فكان ما قدموا لأنفسهم ... أعظم نفعًا من الذي ودعوا
فلا عبرة بزعم النحاة، أن العرب أماتت ماضي يدع، ومصدر واسم الفاعل استغناء بترك، لوروده عن سيد الفصحاء قراءة وحديثًا للماضي، ومصدرا في الحديث الصحيح، وفي شعر العرب، وما هذا سبيله يجوز القول بقلة استعماله، ولا يجوز القول بالإماتة.
وقال الطيبي يحمل كلام النحاة على قلة استعماله مع صحته قياسًا، لكن قال السيوطي، رواه الطبراني الحديث بإسناد حسن، بلفظ: "لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة، لا يأتونها، أو ليطعن الله على قلوبهم"، فعلم أن الرواية الأوى من تغيير الرواة، لا من لفظ النبوة. ا. هـ، الآية، فإن سلم له ذلك، فكيف يصنع في القراءة والبيت العربي، مع أن أصل هذا الكلام التابع فيه لأبي حيان، مردود بأنه يرفع الوثوق بالحديث أصلًا، إذ كل لفظة يحتمل أنها من تغيير الرواة، فالوجه الجمع بأن يكون صلى الله عليه وسلم نطق باللفظين، ويؤيده اختلاف المخرج {رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي: ما أبغضك، "السورة" بالنصب بتقدير اقرأ أو أذكر، "أقسم الله تعالى على إنعامه على رسوله صلى الله عليه وسلم وإكرامه له"، أي: توقيره واللطف به، "وإعطائه ما يرضيه" في الدارين، "وذلك متضمن لتصديقه له" في دعواه: الرسالة، "فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة، فهو قسم على النبوة والمعاد" جميعًا من قوله، والآخرة خير بناء على أن المراد بها القيامة.
قال ابن عطية: يحتمل أن يريد الدنيا والآخرة، وهذا تأويل ابن إسحاق وغيره، ويحتمل أن يريد حالته في الدنيا قبل نزول السورة وبعدها، فوعده الله على هذا التأويل بالنصر والظهور انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>