للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس من هذا؛ لأن المراد في الخطب الإيضاح، وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر، قال: "ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه".

وقيل: إنه من الخصائص، فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمتنع منه؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاق التسوية بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك، وإلى هذا مال ابن عبد السلام. ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين هذا الحديث وقصة الخطيب، أن تثنية


"فليس من هذا؛ لأن المراد في الخطب الإيضاح" واجتناب الرمز، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، لتفهم كما في الصحيح، "وأما هنا، فالمراد الإيجاز": الاختصار "في اللفظ ليحفظ" إذ القليل يسهل حفظه وهذا صوبه النووي قائلًا: وهذا هو الفرق بين الحديثين، حديث من يعصهما كان في خطبة، وحديث مما سواهما كان في تعليم حكم، فتقليل اللفظ فيه أولى؛ لأنه أقرب إلى الحفظ "ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر، قال": كما رواه أبو داود عن ابن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب، فقال في خطبته: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه"، واعترض بأن هذا الحديث إنما ورد أيضًا في خطبة النكاح، وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضًا الإيجاز، فلا نقض، وثَمَّ أجوبة أخرى، منها دعوى الترجيح، فيكون خبر المنع أولى،؛ لأنه عام، والآخر يحتمل الخصوصية، ولأنه ناقل، والآخر مبني على الأصل، ولأنه قول، والآخر فعل ورد بأن احتمال التخصيص في القول أيضًا حاصل، بل ليس فيه صيغة عموم أصلًا.
هكذا في الفتح قبل قوله: "وقيل: إنه من الخصائص فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه ولم ولا يمتنع منه؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاق التسوية" بينهما؛ لأنه لفظ واحد متصل، لا سيما إذا لوحظ العدول عن العطف، الدال على التفاوت والتبعية، ولذا قال له: قل ومن يعص الله ورسوله "بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك"، لأنه يعطي مقام الربوبية حقه، "وإلى هذا مال ابن عبد السلام" الشيخ عز الدين.
زاد الحافظ: ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر، هو أن كلامه صلى الله عليه وسلم هنا جملة واحدة، فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، وكلام الذي خطب جملتان، فالأولى إقامة الظاهر فيهما.
"ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين هذا الحديث وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>