"كما" دل عليه قوله تعالى: "في سورة النجم" {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: ١٣-١٤] ، وروى أحمد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود: لم ير صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته الأصلية إلا مرتين، أما واحدة فإنه سأله أن يريه نفسه فأراه نفسه سد الأفق، وأما الأخرى فليلة الإسراء عند السدرة. قال في الفتح: وهو مبين لما في صحيح مسلم عن عائشة: لم يره -يعني جبريل- على صورته التي خلق عليها إلا مرتين. وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة: لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في أجياد. وهو يقوي رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم أول ما رأى جبريل بأجياد وصرخ: يا محمد فنظر يمينًا وشمالا فلم ير شيئًا فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال جبريل: يا محمد فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئًا ثم خرج عنهم فناداه فهرب ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، ذكر قصة إقرائه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] ، ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يخطفان البصر، فتكون هذه المرة غير المرتين وإنما لم تضمها عائشة إليهما؛ لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته، والعلم عند الله تعالى، انتهى. ووقع عند أبي الشيخ، عن عائشة: أنه صلى الله عله وسلم، قال لجبريل: "وددت أني رأيتك في صورتك الأصلية". قال: وتحب ذلك؟ قال: "نعم". قال: موعدك كذا وكذا من الليل ببقيع الغرقد، فلقيه موعده فنشر جناحًا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى في السماء شيء". وفي مرسل الزهري عند ابن المبارك في الزهد: أنه سأله أن يتراءى له في صورته الأصلية، قال: إنك لن تطيق ذلك، قال: "إني أحب أن تفعل". فخرج إلى المصلى في ليلة مقمرة فأتاه جبريل في صورته فغشي عليه حين رآه، ثم أفاق" الحديث، فإن صحا فيمكن أنه أراه بعض صورته الأصلية؛ كما هو صريح قوله: فنشر جناحًا ... إلخ؛ لأنها مرة ثالثة على تمام الصفة، فلا يخالف ما في الصحيح ولا ما عدوه من خصائصه من رؤيته له مرتين على صورته الأصلية، وقد كنت أبديت هذا قبل وقوفي على كلام الفتح، الذي سقته فحمدت الله على الموافقة. المرتبة "السادسة" وهي واللتان بعدها من صفات الوحي: "ما أوحاه الله إليه وهو فوق السماوات من فرض الصلوات وغيرها" كالجهاد، والهجرة، والصدقة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما صرح به في حديث أبي سعيد عند البيهقي: أن الله قال له