للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن في الصلاة تكليفا للنفوس شاقا عليها، لأنها تأتي في أوقات ملاذ العباد وأشغالهم، فتطالبهم بالخروج عن ذلك كله إلى القيام بين يديه، والفراغ عما سوى الله، فلذلك قال: {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} .

قال: ومما يدل على أن في القيام بالصلاة تكاليف العبودية وأن القيام بها على خلاف ما تقتضيه البشرية، قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥] فجعل الصبر والصلاة مقترنين إشارة إلى أنه يحتاج في الصلاة إلى الصبر، صبر على ملازمة أوقاتها، وصبر على القيام بمسنوناتها وواجباتها، وصبر يمنع القلوب فيها عن غفلاتها، ولذلك قال تعالى بعد ذلك: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فأفرد الصلاة بالذكر ولم يفرد الصبر به، إذ لو كان كذلك لقال: وإنه لكبير. فقد يدل على ما قلناه، أو لأن الصبر والصلاة مقترنان متلازمان، فكان أحدهما هو عين الآخر، كما قال تعالى في الآية الآخرى:

{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: ٦٢] . انتهى ملخصا.

ثم إن الكلام فيها ينقسم إلى خمسة أقسام:


"أمدنا الله بمدده- إشارة إلى أن في الصلاة تكليفا للنفوس شاقا عليها، لأنها تأتي في أوقات ملاذّ العباد وأشغالهم، فتطالبهم بالخروج عن ذلك كله" أي تكون سببا لخروجهم عن ملاذهم وأشغالهم "إلى القيام بين يديه والفراغ عما سوى الله" بفعل الصلاة قبل خروج وقتها، "فلذلك قال {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ، قال: ومما يدل على أن في القيام بالصلاة تكاليف العبودية وأن القيام بها على خلاف ما تقتضيه البشرية قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا} " اطلبوا المعونة على أموركم {بِالصَّبْرِ} : الحبس للنفس على ما يكره {وَالصَّلَاةِ} أفردها بالذكر تعظيما لشأنها، وفي الحديث: كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة، وقيل: الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسة أمروا بالصبر وهو الصوم، لأنه يكسر الشهوة، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر، {وَإِنَّهَا} أي: الصلاة {لَكَبِيرَةٌ} ثقيلة {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} الساكنين إلى الطاعة، "فجعل الصبر والصلاة مقترنين إشارة إلى أنه يحتاج في الصلاة إلى الصبر" الكامل، وهو أنواع أشار إليها بقوله: "صبر" بالجر بدل نكرة من معرفة، لكون النكرة موصوفة لفظا بقوله: كائن "على ملازمة أوقاتها", أو موصوفة في المعنى، "وصبر على القيام بمسنوناتها وواجباتها" ومستحباتها، "وصبر يمنع القلوب فيها عن غفلاتها" لاشتغالها بالصلاة وإعراضها عن الدنيا، "ولذلك قال تعالى بعد ذلك: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فأفرد الصلاة بالذكر" بقوله: {وَإِنَّهَا} تعظيما لشأنها، "ولم يفرد الصبر به إذ لو كان كذلك لقال: وإنه لكبير"؛ لأن الصبر مذكر، "فقد يدل على ما قلناه" قد للتحقيق، "أو لأن الصبر والصلاة مقترنان متلازمان، فكان أحدهما هو عين الآخر" فوصف الصلاة بالكبر بمنزلة وصف الصبر به لتلازمهما، "كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} بالطاعة، فتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين، وقيل: خبر الله أو رسوله محذوف. "انتهى ملخصا".

<<  <  ج: ص:  >  >>