"وإن كان هذا الأمر الذي يأتيك رئيًا قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك" مثلث الطاء العلاج في النفس والجسم؛ كما في النور والقاموس. "حتى نبرئك منه أو نعذر" بفتح النون وضمها من عذر وأعذر، أي: يرتفع عنا اللوم؛ كما في المصباح. وروى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عمر وأبو يعلى بسند جيد عن جابر: اجتمع نفر من قريش يومًا، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، قالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة، وعند ابن إسحاق والبيهقي وغيرهما عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن عتبة قال يومًا، وكان جالسًا في نادي قريش والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا، فقام حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضي من آبائهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها، فقال صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد أسمع"، قال: يابن أخي! إن كنت ... فذكر الأمور الأربع، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه، قال له: "أقد فرغت أبا الوليد"؟ قال: نعم، قال: "فاسمع مني"، قال: أفعل، قال صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: ١-٢] ، إلى قوله: {مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: ١٣] ، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف، ثم انتهى إلى السجدة سجد. ثم قال: "قد سمعت أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك" الحديث، في عدم رجوع عتبة لقومه وظنهم إسلامه وذهابهم به وغضبه لذلك وحلفه لا يكلم محمدًا أبدًا، وقال: قد علمتم أنه لا يكذب فخفت نزول العذاب عليكم، فأطيعوني واعتزلوه فإن يصبه غيركم كفيتموه، وإن ظهر فملكه ملككم وعزه عزكم، فقال سحرك والله يا أبا الوليد، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم، والظاهر أن هذه القصة في مرة ثانية قبل مجيء عتبة مع الجماعة أو بعده فأجابه المصطفى بما ذكر.