"وفشا ذلك في الناس وأظهره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة و" بلغ "من بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمن المسلمون بمكة" من الأذى، فقال القوم: عشائرنا أحب إلينا، "فأقبلوا" حال كونهم "سراعا" أي: مسرعين، "من الحبشة" حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركبا من كنانة فسألوهم عن قريش، فقالوا: ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ثم عاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر، فتركناهم على ذلك، فائتمر القوم في الرجوع إلى الحبشة، ثم قالوا: قد بلغنا مكة فندخل فننظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله، ثم نرجع؛ فدخلوها ولم يدخل أحد منهم إلا بجوار، إلا ابن مسعود، فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى الحبشة؛ كذا في العيون. وروى ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عمن حدثه عن عثمان بن مظعون أنه لما رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى المشركين يؤذون المسلمين وهو آمن رد عليه جواره، فبينما هو في مجلس لقريش وفد عليهم لبيد بن ربيعة قبل إسلامه فقعد ينشدهم من شعره، فقال لبيد: إلا كل شيء ما خلا الله باطل فقال عثمان، صدقت، فقال: وكل نعيم لا محالة زائل فقال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: متى كان يؤذي جليسكم يا معشر قريش، فقام رجل منهم فلطم عثمان فاخضرت عينه، فلامه الوليد على رد جواره، فقال: قد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان: إن عيني الأخرى إلى ما أصاب أختها في الله لفقيرة، فقال له الوليد: فعد إلى جوارك، فقال: بل أرضى بجوار الله تعالى.