للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على أن الأرضة أكلت جميع ما فيها من القطيعة والظلم، فلم تدع إلا أسماء الله فقط،..........


فانصرفوا عنه ثم رد الثانية، فأدخل عليهم حملا أو حملين فغالظته قريش وهمت به، فقال أبو سفيان بن حرب: دعوه رجل وصل أهل رحمه أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل لكان أحسن بنا، ثم مشى هشام إلى زهير بن أبي أمية وأسلم بعد وأمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت؟ فقال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع فإنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، فقال: أنا معك. فقال: ابغنا ثالثا ومشيا جميعا إلى المطعم بن عدي، فقالا له: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد، فقالا: إنما أنا واحد، فقالا: أنا معك، فقال: ابغنا رابعا، فذهب إلى أبي البختري القاضي ابن هشام، فقال: ابغنا خامسا، فذهب إلى زمعة بن الأسود فقعدوا ليلا بأعلى مكة وتعاقدوا على ذلك، فلما جلسوا في الحجر تكلموا في ذلك وأنكروه، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة ومزقوها وأبطلوا حكمها، وهذا ملخص ما ذكر ابن إسحاق.
"فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على أن الأرضة" بفتح الهمز والراء والضاد المعجمة: دويبة صغيرة كالعدسة تأكل الخشيب، "أكلت جميع ما فيها من القطيعة والظلم، فلم تدع إلا أسماء الله فقط" فيما ذكر ابن هشام، وأما ابن إسحاق وابن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك، وهو أن الأرضة لم تدع اسما لله إلا أكلته، وبقي ما يها من الظلم والقطيعة.
قال البرهان، ما حاصله: وهذا أثبت من الأول فعلى تقدير تساوي الروايتين يجمع بأنهم كتبوا نسختين فأبقت في إحداهما ذكر الله وفي الأخرى خلافه، وعلقوا إحداهما في الكعبة والأخرى عندهم، فأكلت من بعضها اسم الله ومن بعضها ما عداه لئلا يجتمع اسم الله مع ظلمهم، انتهى.
قال في الرواية: فذكر صلى الله عليه وسلم ذلك لعمه، فقال: أربك أخبرك بهذا، قال: "نعم"، قال: لا، والثواقب ما كذبتني قط، فانطلق في عصابة من بني هشام والمطلب حتى أتوا المسجد فأنكر قريش ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال أبو طالب: جرت بيننا وبينكم أمور لم تذكر في صحيفتكم فائتوا بها لعل أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها، فأتوا بها معجبين لا يشكون أنه صلى الله عليه وسلم يدفع إليهم فوضعوها بينهم، وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم، فقال: إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن الله بعث

<<  <  ج: ص:  >  >>