قال السهيلي: وهو صحيح يعضده الأحاديث. "وكل بعر علف لدوابكم" زاد في سلام في تفسيره: أن البعر يعود خضرا لدوابهم واعترض على المؤلف ومتبوعه السهيلي في سياق حديث الصحيح هنا بما صرح به الحافظ الدمياطي أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يشعر بهم حين استمعوه في رجوعه من الطائف حتى نزل عليه {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا} [الأحقاف: ٢٩] الآية، قال: وسؤالهم الزاد كان في قصة أخرى. "وفي هذا" دليل على أن الجن يأكلون ويشربون و"رد على من زعم أن الجن لا تأكل ولا تشرب" لأن صيرورته لحما إنما تكون للأكل حقيقة، ثم اختلف هل أكلهم مضغ وبلع أو يتعذون بالشم، وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله"، مجاز أي: يحبه الشيطان ويزينه ويدعو إليه، قال ابن عبد البر: وهذا ليس بشيء فلا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما انتهى. وهو الراجح عند جماعة من العلماء حتى قال ابن العربي: من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد، بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون وذلك جائز عقلا، وورد به الشرع، وتظافرت به الأخبار لا يخرج عن هذا المضمار إلا حمار، ومن زعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم، انتهى. ورى ابن عبد البر عن وهب بن منبه: الجن أصناف، فخالصهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون وصنف يفعل ذلك ومنهم السعالي والغيلان والقطرب، قال الحافظ: وهذا إن ثبت كان جامعا للقولين، ويؤيده ما روى ابن حبن والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا: "الجن تلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعقارب، وصنف يحلون ويظعنون ويرحلون". وروى ابن بي الدنيا عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه، لكن قال في الثالث: "وصنف عليهم الحساب والعقاب"، انتهى. قال السهيلي: ولعل هذا الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب إن صح القول به، انتهى. وقال صاحب آكام المرجان: وبالجملة فالقائلون الجن لا تأكل ولا تشرب إن أرادوا جميعهم فباطل؛ لمصادمة الأحاديث الصحيحة وإن أرادوا صنفا منهم فمحتمل، لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون.