للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى من تكلني إلى عدو بعيد يتجهمني أم إلى صديق قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبانا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات............


في ذكر لفظ رب والإضافة إليهم مزيد الاستعطاف، فطوى في ضمن هذه الألفاظ العذبة البديعة نحو أن يقول: فقوني واجعل لي المخلص وأعزني في الناس، وعدل إلى الثناء على ربه بهاتين الجملتين الثابتتين عند ابن إسحاق الساقطتين في رواية الطبراني؛ لأن الكريم بالثناء يعطي المراج ولا أكرم منه سبحانه وتعالى.
"إلى من تكلني" تفوض أمري "إلى عدو بعيد" وسقط في رواية الطبراني لفظ بعيد "يتجهمني" بتحتية ففوقية فجيم فهاء مشددة مفتوحات والاستفهام للاستعطاف بحذف أداة، أي: اتكلني إلى عدو "أم إلى صديق قريب ملكته أمري" جعلته مسلطا على إيذائي ولا أستطيع دفعه، والجملة دالة على المدعو به، أي: لا تجعل لي ذلك.
"إن لم تكن غضبانا" وفي رواية: إن لم تكن ساخطا، وأخرى: إن لم يكن بك سخط وأخرى إن لم يكن بك غضب، "علي لا أبالي" بما تصنع بي أعدائي وأقاربي من الإيذاء طلبا لمرضاتك ووثوقا بما عندك، "غير أن عافيتك" وهي السلامة من البلايا والأسقام مصدر جاء على فاعله، "أوسع لي" فيه أن الدعاء بالعافية مطلوب محبوب ونحوه ل تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، وهكذا عادة الأنبياء عليهم السلام إنما يسألون بعد البلاء عنهم، "أعوذ بنور وجهك" أي: ذاتك، زاد الطبراني: الكريم، أي: الشريف والكريم يطلق على الشريف النافع الدائم نفعه، قال السهيلي: وأتى بالوجه إيذانا بأن بغيته الرضا والقبول والإقبال؛ لأن من رضى عنك أقبل عليك بوجهه لا صلة للتأكيد؛ كما زعم من غلظ طبعه ولو قال بنورك لحسن ولكنه توصل إليه بما أودع قلبه من نوره، فتوسل إلى نعمته بنعمته وإلى فضله ورحمته بفضله ورحمته، انتهى.
"الذي" زاد الطبراني الأضاءت له السماوات والأرض و "أشرقت" بالبناء للفاعل، أي: أضاءت "له الظلمات" أي: أزيلت، وعطفه عليه في رواية الطبراني مع أنه بمعناه؛ لأن اختلاف اللفظ سوغ العطف ولذا غاير في التعبير كراهة توالي لفظين بمعنى، ولم يسقطه للإطناب المطلوب في الدعاء، وضبط بعضهم أشرقت بالبناء للمفعول لقول الزمخشري في قراءة: واشرقت الأرض بنور ربها بالمفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به مردود، فإنما هو ظاهر في الآية لا الحديث، إذ لا يظهر فيه امتلأت الظلمات بالضوء إلا بتعسف، قال في الروض: النور هنا عبارة من الظهور وانكشاف الحقائق الإلهية وأشرقت الظلمات، أي: محالها وهي القلوب التي كانت فيها ظلمات الجهالات والشكوك فاستنارت بنور الله تعالى، قال: وقد تكون الظلمات هنا أيضا

<<  <  ج: ص:  >  >>