للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني في الإسلام والثاني في بذل النفس والعمر وسبب الموت لما وقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بماله ونفسه جوزي بمواراته معه في رمسه، وقام مؤذن التشريف ينادي على منائر الأمصار "ثاني اثنين إذ هما في الغار" ولقد أحسن حسان حيث قال:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صاعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا

وتأمل قول موسى لبني إسرائيل: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: ٦٢] وقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- للصديق: "إن الله معنا".....


إتحاف المصطفى لأبي بكر بكونه "ثاني اثنين مدخرة له دون الجميع" أي: جميع الصحابة، "فهو الثاني" من الرجال "في الإسلام والثاني في بذل النفس والعمر وسبب الموت" عطف تفسير، والمراد أنه لما جعل نفسه وقاية له كأنه بذل نفسه وعمره حفظا عليه السلام، "لما وقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بماله ونفسه" مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل: ما كان جزاؤه فيما فعل؟ فقيل: "جوزي بمواراته معه في رمسه وقام مؤذن التشريف ينادي على منائر الأمصار" جمع منارة بفتح الميم، والقياس كسرها لأنها آلة، "ثاني اثنين إذ هما في الغار، ولقد أحسن حسان، حيث قال": يمدحه "وثاني اثنين في الغار المنيف" الزائد في الشرف على غيره بدخول أفضل الخلق فيه وإقامته به هو وصاحبه، "وقد طاف العدو به إذ" لمجرد الوقت "صاعد" بالألف لعله بمعنى صعد بالتشديد، لكن لم يذكر الجوهري والمجد ولا المصباح صاعد "الجبلا" نصب بنزع الخافض والألف للإطاق، والمعنى: إذ ارتقى العدو على الجبل، "وكان" الصديق "حب" بكسر الحاء محبوب "رسول الله قد علموا" أي عامة الناس العارفين بحال المصطفى والصديق مسلما أو غيره، "من الخلائق" متعلق بيعدل من قوله: "لم يعدل به بدلا" وأنشد الشامي رجلا، والتقدير: علم كل أحد أنه عليه السلام لم يعدل بأبي بكر أحد، أي: لم ينزل أحدا منزلته بحيث يجعله قائما مقامه.
وروى ابن عدي وابن عساكر عن أنس: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لحسان: "هل قلت في أبي بكر شيئا"؟ قال: نعم، قال: "قل، وأنا أسمع"، فقال: وثاني اثنين.. إلخ، فضحك -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال: "صدقت يا حسان، هو كما قلت". فصريح هذا أنه قالهما في حياته. وفي ينبوع الحياة الذي أعرف أنهما من أبيات رثى بها حسان أبا بكر، فهذا يخالف ذاك إذ الرثاء تعداد المحاسن بعد الموت وجمع باحتمال أنه مدحه بهما في حياته، ثم أدخلهما في مرئيته بعد وفاته.
"وتأمل" عطف على انظر "قول موسى لبني إسرائيل: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: ٦٢] ، وقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- للصديق: "إن الله معنا"، قدم المسند إليه للإشارة إلى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>