للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أم معبد قالت: بقيت الشاة التي لمس عليه السلام ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة، زمن عمر بن الخطاب، وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما في الأرض لبن قليل ولا كثير.


الفضل عن ابن إسحاق ولغيرهما عنه حبيش بضم المهملة وفتح الموحدة فياء فشين معجمة، قال في الإصابة: وهو الصواب ابن خالد الخزاعي، "عن" عمته "أم معبد، قالت: بقيت الشاة التي لمس عليه السلام ضرعها عندنا حتى كان زمن الرمادة" سنة ثمان أو سبع عشرة من الهجرة، قيل لها ذلك لأن الريح كانت إذا هبت ألقت ترابا كالرماد وأجدبت الأرض إلى الغابة حتى أوت الوحوش إلى الإنس، "زمن عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وآلى أن لا يذوق لحما ولا سمنا ولا لبنا، حتى حيى الناس، أي: يأتي إليهم الحيا بالقصر ويمد: المطر، وقال: كيف لا يعنين شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم حتى استسقى بالعباس بإشارة كعب فسقوا، وفي ذلك يقول عقيل:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها ... عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب داعيا ... فما حار حتى جاد بالديمة المطر
"وكنا نحلبها" بضم اللام وكسرها، كما في القاموس وما بالعهد من قدم، "صبوحا" بفتح المهملة وضم الموحدة: ما شرب بالغداة مما دون النائلة، "وغبوقا" بفتح الغين المعجمة الشرب بالعشي، "وما في الأرضي لبن قليل ولا كثير" في بقية حديث هشام هذا: وكانت أم معبد يوم نزل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمة. قال الواقدي: وقال غير هشام: قدمت بعد ذلك وأسلمت وبايعت؛ كما في الإصابة.
وذكر السهيلي عن هشام المذكور، قال: أنا رأيتها وإنها لتأدم أم معبد وجميع صرمها، أي: أهل ذلك الماء. وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار عن هند بنت الجون، قالت: نزل -صلى الله عليه وسلم- خيمة خالتي أم معبد، فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحت كأعظم دوحة، وجاءت بتمر كأعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برئ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا در لبنها، فكنا نسميها المباركة حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفر ورقها، ففزعنا فما راعنا إلا نعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك وذهبت صفرتها، فما شعرنا إلا بقتل أمير المؤمنين علي، فما أثمرت بعد ذلك، وكنا ننتفع بورقها، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من أسفلها دم عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينما نحن فزعون مهمومون إذ أتانا خبر قتل الحسين ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت، والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كالشاة، كذا ذكره وعهدته عليه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>