وعند البيهقي عن الحسن: لما بنى صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، وكان عثمان بن مظعون رجلا متنطعا بميم مضمومة ففوقية فنون مفتوحتين فطاء مكسورة فعين مهملتين: من تنطع إذا تغالى وتأتق، وكان يحمل اللبنة فيجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه ونظر إلى ثوبه فإن أصابه شيء من التراب نفضة، فنظر إليه علي بن أبي طالب فأنشد يقول: لا يستوي ... إلخ، فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها ولا يدري من يعني بها، فمر بعثمان، فقال: يابن سمية، لأعرفن بمن تعرض ومعه حديدة، فقال: لتكفن أن لأعترضن بها وجهك، فسمعه صلى الله عليه وسلم فغضب، ثم قالوا لعمار: أنه قد غضب فيك، وناف أن ينزل فينا قرآن، فقال: أنا أرضيه كما غضب، فقال: يا رسول الله! ما لي ولأصحابك؟ قال: "ما لك ولهم" قال: يريدون قتلى يحملون لبنة ولبنة، ويحملون علي لبنتين، فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده وطاف به المسجد وجعل يمسح وفرته، ويقول: "يابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك، تقتلك الفئة الباغية" وقوله: يحملون ... إلخ، استعطاف ومباسطة ليزول الغضب، وإنما كان يحمل عن المصطفى إرادة للأجر، كما مر. وفي هذه الأحاديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصا الرجز في الحرب، وفي التعاون على سائر الأعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس وتحريكها على معالجة الأمور الصعبة. "وجعلت قبلته القدس" كما رواه النجار وغيره ووقع في الشفاء، رواه الزبير بن بكار عن نافع بن جبير وداود بن قيس وابن شهاب مرسلا رفعت له الكعبة حين بنى مسجده. وفي الروض روي عن الشفاء بنت عبد الرحمن الأنصارية، قال: كان صلى الله عليه وسلم حين بنى المسجد يؤمه جبريل إلى الكعبة ويقيم له القبلة، انتهى.