للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان بعد قدومه بخمسة أشهر، آخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكانوا تسعين رجلا، من كل طائفة خمسة وأربعون،...................................


من أحاديث المستدرك، انتهى.
والثانية هي التي ذكرها المصنف، فقال: "ولما كان بعد قدومه بخمسة أشهر" كما قال أبو عمر، وقيل: بثمانية، وقيل: بسبعة، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر قبل بدر، وقيل: والمسجد يبنى، وقيل: قبل بنائه، "آخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار" قال السهيلي: ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم أخوة، وأنزل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات: ١٠] يعني: في التوادد وشمول الدعوة، انتهى. وقال العز بن عبد السلام: الأخوة حقيقية ومجازية، فالحقيقية المشابهة، يقال: هذا أخو هذا؛ لأنه شابهه في خروجه من البطن الذي خرج منه ومن الظهر أيضا، وآثارها المعاضدة والمناصرة، فتستعمل في هذه الآثار من التعبير بالسبب عن المسبب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات: ١٠] هو خبر معناه الأمر، أي، لينصر بعضهم بعضا، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن أخو المؤمن" خبر أيضا، بمعنى الأمر، ولما انقسمت الحقيقية إلى أعلى المراتب كالشقيق وإلى ما دون ذلك، كالأخ للأب أو للأم كانت المجازية كذلك، فالأخوة الناشئة عن الإسلام هي الدنيا من المجازية، ثم إنها كملت بالأخوة التي سنها صلى الله عليه وسلم بمؤاخاته بين جماعة من أصحابه ومعناها أنه أمر ندب أن يعين كل واحد أخاه على المعروف ويعاضده وينصره، فصار المسلمان في هذه الأخوة الثانية في أعلى مراتب الأخوة المجازية كالشقيقين في الحقيقة، فإن قيل هذه الأخوة مستفادة من أصل الإسلام، فإنه يقتضي المعاونة على كل أمر جوابه، أن الأمر الثاني مؤكد لا منشئ لأم آخر؛ لأنه لا يستوي من وعدته بالمعروف من المسلمين ومن لم تعده، فإن الموعود قد وجد في حقه سببان الإسلام والمواعدة وهذه الأخوة هي التزام ومواعدة، ولا شك أن طلب الشارع للوفاء بالخير الموعود به أعلى رتبة من طلب الخير الذي لم يعد به، فقد تحقق طلب لم يكن ثابتا بأصل الإسلام وفيها فائدة أخرى، وهي أن هذه العزم المتجدد من هذا الوعد يترتب عليه من الثواب على عدد معلوماته لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة"، ولا شك أن هذا ثواب عظيم، وكذلك كل من وعد بخير فإنه يثاب على عزمه ووعده ما لا يثاب على العزم المتلقى عن أصل الإسلام، انتهى.
"وكانوا تسعين رجلا من كل طائفة خمسة وأربعون" كما ذكره ابن سعد بأسانيد الواقدي، قائلا: وقيل مائة من كل طائفة خمسون. وروى ابن إسحاق: أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: "تآخوا في الله

<<  <  ج: ص:  >  >>