للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مسند أحمد من الوجه الذي أخرج منه الترمذي هذا الحديث: فأمر بلالا فأذن، قال في فتح الباري: فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا، وأن قوله أذن: أمر، كما يقال: أعطى الخليفة فلانا ألفا، وإنما باشر العطاء غيره، ونسب للخليفة لكونه أمر، انتهى.


على كلام السهيلي مع أنه متأخر عنه، وجواب الشهاب الهيثمي بأن هذا إنما يصار إليه لو لم يحتمل تعدد الواقعة، أما إذا أمكن فيجب المصير إليه إبقاء الإذن على حقيقته عملا بقاعدة الأصول أنه يجب إبقاء اللفظ على حقيقته مردود بأن ذاك إنما يصح إذا اختلف سند الحديث ومخرجه، أما مع الاتحاد فلا، ويجب رجوع المجمل للمفصل، كما هو قاعدة المحدثين وأهل الأصول. وقد قال بعض الحفاظ: لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه لاختلاف الرواة في إسناده وألفاظه، وليس كل احتمال يعمل به خصوصا في الحديث، فهذه قصة المعراج والإسراء وردت عن نحو أربعين صحابيا مع اختلاف أسانيدها ومتونها إلى الغاية، ومع ذلك فالجمهور على أنها واحدة، حتى قال ابن كثير وغيره: من جعل كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب، وحديث الأذن من هذا القبيل، لقوله في رواية الدارقطني: فقام المؤذن فأذن.
"و" لقوله "في مسند أحمد من الوجه" أي: الطريق "الذي أخرج منه الترمذي هذا الحديث فأمر بلالا فأذن، قال في فتح الباري: فعرف" من روايتي أحمد والدارقطني "أن في رواية الترمذي اختصارا وأن قوله: أذن،" معناه: "أمر، كما يقال: أعطى الخليفة فلانا ألفا، وإنما باشر العطاء" اسم من الإعطاء ولم يعبر به؛ لأنه لا وجود لشيء من المصادر في الخارج بل آثارها، "غيره، ونسب للخليفة لكونه أمر، انتهى" كلام فتح الباري. وهذا سائغ شائع. نعم قال السيوطي في شرح البخاري: قد ظفرت بحديث آخر مرسل أخرجه سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، فقال: "حي على الفلاح" وهذ رواية لا تقبل التأويل، انتهى.
فهذا الذي يجزم فيه بالتعدد لاختلاف سنده، وانظر ما أحسن قوله آخر، ولذا قال في شرحه للترمذي: من قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك بقوله: ما سنة عمل بها ولم يفعلها فقد غفل، انتهى.
وفي التحفة: أذن مرة، فقال: "أشهد أن محمدًا رسول الله"، انتهى. هذا وإنما لم يواظب صلى الله عليه وسلم على الأذان مع فضله المنوه عليه، بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة" أخرج مسلم. وفي شعب البيهقي عن داود السجستاني: "المؤذنون لا يعطشون يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>