وربما يؤيد الحديث الذي ذكره بقوله: "قال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه أحمد عن عائشة: "إن اليهود لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله إليها" قال الحافظ: يحتمل بأن نص لنا عليه، ويحتمل بالاجتهاد، ويشهد له أثر ابن سيرين في جمع أهل المدينة قبل قدوم المصطفى، فإنه يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها. ثم قد ورد فيه حديث ابن عباس عند الدارقطني، ولذا جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق، انتهى ملخصا. "وضلوا عنها" لأنه فرض عليهم يوم الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة، قاله ابن بطال، ومال إليه عياض قواه. وقال النووي: يمكن أنهم أمروا به صريحا، فاختلفوا هل يلزم بعينه أن يسوغ إبداله بيوم آخر، فاجتهدوا فأخطئوا، قال الحافظ: ويشهد له ما للطبري عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت} [النحل: ١٢٤] ، قال: أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه. وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي التصريح بأنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه، ولفظه: "إن الله فرض على اليهود الجمعة، فأبوا"، وقالوا يا موسى: إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: ٥٨] الآية، وغير ذلك، وكيف لا؟ وهم القائلون: سمعنا وعصينا، انتهى. "وعلى القبلة التي هدانا الله إليها" بصريح البيان بالأمر المكرر، أولا لبيان تساوي حكم السفر وغيره، وثانيا للتأكيد، "وضلوا عنها" لأنهم لم يؤمروا باستقبال الصخرة، كما دل عليه هذا الحديث، وهو يؤيد ما رواه أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن خالد بن يزيد بن معاوية قال: لم تجد اليهود في التوراة القبلة، ولكن تابوت السكينة على الصخرة، فلما غضب الله على بني إسرائيل رفعه، وكانت صلاتهم إلى الصخرة عن مشورة منهم. وروى أبو داود أيضا: أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة، فقال أبو العالية: كان موسى يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام، فكانت قبلته، وكانت الصخرة بين يديه، وقال