للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........فحقق جهله ... غدة تردى بالردى عن تذلل

وأضحى قليبا في القليب وقومه ... يؤمونه فيه إلى شر منهل

وجاءهم خير الأنام موبخا ... ففتح من أسماعهم كل مقفل

وأخبر ما أنتم بأسمع منهم ... ولكنهم لا يهتدون لمقول

سلا عنهم يوم السلا إذا تضاحكوا ... فعاد بكاء عاجلا لم يؤجل

ألم يعلموا علم اليقين بصدقه ... ولكنهم لا يرجعون لمعقل


كما مر.
"فحقق جهله،" فعمل بمقتضاه فقتله الله شر قتلة، "غداة" حين "تردى بالردى" الهلاك شبهه بالرداء فأثبت له ما هو من لوازمه، فقال: تردى، أي: تسربل "عن تذلل" هوان وحقارة "وأضحى قليبا" أي: صار ملقى "في القليب" حين جر وطرح فيه "وقومه، يؤمونه" يقصدونه "فيه" ويسيرون به "إلى شر منهل" مورد وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي عبر به عن النار التي وردوها تهكما واستهزاء، "وجاءهم خير الأنام" صلى الله عليه وسلم "موبخا" لائما لهم حيث وقف ونادهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقل: "يا أهل القليب! بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم"، إلى آخر ما مر. "ففتح من أسماعهم كل مقفل" مغلق من قولهم أقفلته إقفالا فهو مقفل، يعني: أنهم كانوا في غفلة وإعراض لما عليها من الختم المانع من حلول الحق فيها وأزيل بعد الموت، فعلموا الحق عيانا، كما أرشد لذلك صلى الله عليه وسلم قوله: "فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا" فوصل خطابه إلى أسماعهم على أكمل حالات السماع.
"وأخبر" عليه السلام من سأله مستفهما كيف تكلم أجسادًا لا أرواح فيها، بقوله: "ما أنتم بأسمع" لما أقول "منهم"، بل هم أسمع أو مساوون، على ما مر، "ولكنهم لا يهتدون لمقول" كمنبر، أي: لقول الجواب إذ هو إشارة لقوله عليه السلام: "غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا"، "سلا عنهم"، فعل أمر لاثنين على عادة الشعراء من فرض اثنين يخاطبونهما "يوم" وضع "السلا" بفتح السين وعاء جنين البهيمة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في صلاته عند الكعبة بإشارة عدو الله أبي جهل "إذ تضاحكون" مال بعضهم على بعض من الضحك، وثبت عليه السلام ساجدا حتى ألقته عنه فاطمة الزهراء "فعاد" ضحكهم "بكاء عاجلا لم يؤجل" ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات وغيره ذلك، وقد مر شرح القصة مبسوطا في أوائل المبعث، "ألم يعلموا" استفهام تقريري، أي: قد علموا الآن "علم اليقين" ما يتيقن "بصدقه، ولكنهم لا يرجعون" لا يتمكنون من الرجوع، "لمعقل" ملجأ يخلصهم مما أصابهم، والمعنى، قد علموا صدقه فيما مضى علم اليقين، بما شاهدوه من الآيات البينات الشاهدات

<<  <  ج: ص:  >  >>