للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم, يجدعن الآذان والآنف، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها.


الميم وإسكان الثاء، أي: نكَّل، والاسم المثلة بالضم، ومثَّل بالقتيل: جدعه, وكثير من الناس يشدد مثل، وكأنه إذا أريد التكثير يجوز ذلك، "من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجدعن" بفتح الياء وإسكان الجيم وخفة الدال، وكأنه إذا أريد المبالغة يجوز التشديد، "أي: يقطعن "الآذان والآنف" بفتح الهمزة الممدودة وضم النون, قاله كله البرهان.
قال ابن إسحاق: حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدمًا وقلائد، وأعطت خدمها، وقلائدها، وقرطها وحشيًّا الخدم -بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة: الخلاخيل, الواحدة خدمة، "وبقرت" بموحدة وقاف، أي: شقَّت، "عن كبد حمزة -رضي الله عنه, فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها".
قال البرهان: يقال: ساغ الشراب يسوغ سوغًا، أي: سهل مدخله في الحلق، وسغته أنا أسوغه وأسيغه يتعدَّى ولا يتعدَّى، والأجود أسغته إساغة، "فلفظتها" طرحتها، ولا ينافي هذا ما ذكره الواقدي وغيره أن وحشيًّا لما قتل حمزة شقَّ بطنه وأخرج كبده، فجاء بها إلى هند فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها, وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة، فقطَّعت من كبده، وجدعت أنفه؛ لأن الذي أخذه وجاء به إليها بعض الكبد، ثم أخذت هي باقيه كما هو صريحه.
قال ابن إسحاق: ثم علت، أي: هند، على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها، فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكر
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي على عمري ... حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب المطلبية، أخت مسطح:
خزيت في بدر وبعد بدر ... يابنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر ... بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعليّ صقري
إذا رام شيب وأبوك غدري ... فخضبا منه ضواحي النحر
ونذرك السوء فشر نذر
قال الحافظ أبو الربيع في الاكتفاء: هذا قول هند، والكفر يحنقها، والوتر يقلقها، والحزن يحرقها، والشيطان ينطقها، ثم إن الله هداها للإسلام وعبادة الله وترك الأصنام، وأخذ بحجزتها

<<  <  ج: ص:  >  >>