للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتله، وأخذ رأسه، فكان يسير الليل ويتوارى النهار، حتى قدم المدينة، فقال له -عليه الصلاة والسلام: "أفلح الوجه"، قال: أفلح وجهك يا رسول الله، ووضع رأسه بين يديه.

وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من محرم.


أخذه في غفلة، "وقتله", عند ابن سعد، فقال: اجلس، أي: في الخباء، فجلست معه حتى إذا نام الناس اغتررته، وفي أكثر الروايات، وهي رواية ابن إسحاق أنه قال: مشيت معه حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف وقتلته، "وأخذ رأسه", قال: ثم أقبلت فصعدت جبلًا فدخلت غارًا وأقبل الطلب، وأنا مكتمن في الغار، وضرب العنكبوت على الغار، وأقبل رجل معه إداوة ضخمة، ونعلاه في يده، وكنت حافيًا، فوضع إداوته ونعله، وجلس يبول قريبًا من فم الغار، ثم قال لأصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت فشربت ما في الإداوة ولبست النعلين، "فكان يسير الليل ويتوارى النهار" خوفًا من الطلب، "حتى في المدينة" فوجده -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، "فقال له -عليه الصلاة والسلام: "أفلح الوجه" أي: فاز، قال: أفلح وجهك يا رسول الله", هكذا رواية ابن سعد، وفيها من الأدب ما لا يخفى؛ حيث لم يأت بالعطف المفيد للمشاركة؛ لأن فلاحه -صلى الله عليه وسلم- لا يشاركه فيه أحد، وإن شاركوه في أصل الفلاح.
نعم في رواية: ووجهك بالواو, فلعل إحداهما بالمعنى، أو تكررت بالعطف، ودونه، "ووضع رأسه بين يديه", وأخبرته خبري فدفع إليَّ عصا وقال: "تخصّر بها في الجنة, فإنَّ المتخصرين في الجنة قليل"، فكانت العصا عنده، حتى إذا حضرته الوفاة، أوصى أن يدرجوها في أكفانه، ففعلوا, والتخصر بفتح الفوقية، والخاء المعجمة وضم الصاد المهملة: الاتكاء على قضيب ونحوه، "وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم".
قال ابن عقبة: وزعموا أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر بموته قبل قدوم عبد الله بن أنيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>