دخلت على عبد الملك بن مروان فصادفته في سرار مع بعض من يقرب منه، فوقفت ساعة لا يرفع إلي طرفه، فقلت: يا أمير المؤمنين، عامر الشعبي. فقال: لم نأذن لك حتى عرفنا اسمك. فقلت: نقدةٌ والله من أمير المؤمنين.
فلما فرغ مما كان فيه وأقبل على الناس رأيت في المجلس رجلا ذا رواء وهيئة لم أعرفه، فقلت من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: الخلفاء تسأل ولا تسأل، هذا الأخطل الشاعر. قلت في نفسي: هذه أخرى.
قال: وخضنا في الحديث فمر له شيءٌ لم أعرفه فقلت: أكتبنيه يا أمير المؤمنين. فقال: الخلفاء تستكتب ولا تستكتب. فقلت: هذه ثالثة. وذهبت لأقوم، فأشار إلي بالقعود، فقعدت حتى خف من كان عنده، ثم دعا بالطعام فقدمت إليه المائدة، فرأيت عليها صحفة فيها مخ، وكذا كانت عادته أن يقدم إليه المخ قبل كل شيء. فقلت: هذا يا أمير المؤمنين كما قال الله جل وعز: {وجفانٍ كَالْجَوَابِ وقدورٍ راسيات} .
فقال: يا شعبي، مازحت من لم يمازحك. فقلت: هذه والله رابعة.