ما كدت أوفي شبابي كنه غرته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع
قال: صدقت والله وأصبت، ولا خير في دنيا لا يخطر فيها برداء الشباب. ثم أمسك حتى أتى على باقي الشعر. واستؤذن لسعيد بن سلم فقال: يدخل. فسلم فرد عليه، وأشار إليه بالجلوس فقال: يا أمير المؤمنين، غلامٌ أعرابي من باهلة وفد على أمير المؤمنين سيدي ما سمعت بمديحٍ لشاعرٍ مثله. فقال: إنك قد استنبحت هذين الشيخين فهيء لهما أحجارك. فقال: هما يهباني لك يا أمير المؤمنين. والتفت إلى الفضل فقال: يدخل الشاعر. فدخل أعرابي في جبة خز ورداءٍ يمانٍ [قد شده في وسطه] ، ثم رد طرفه إلى منكبيه وعليه عمامة خز سوداء، فلما نظر إليه الرشيد تبسم، ثم أدني فسلم فرد عليه، فقال له سعيد: تكلم بشرف أمير المؤمنين. فأسمعه شعراً حسناً، [و] استوى الرشيد جالسا ثم قال له: أسمعك مستحسنا وأنكرك متهما، فإن كنت صاحب هذا الشعر فقل في هذين بيتين، وأشار إلى عبد الله ومحمد وهما حفافاه. فقال: يا أمير المؤمنين، حملتني على غير الجدد، روعة الخلافة وبهر البديهة، ونفور القول في الروية إلا بفكرٍ يتألف لي نفرانها، فليمهلني أمير المؤمنين قليلا. فقال: أمهلك وأجعل لك حسن اعتذارك بدلا في امتحانك. قال: يا أمير المؤمنين، نفست الخناق، وسهلت ميدان السباق. ثم قال:
بنيت بعبد الله بعد محمد ... ذرى قبة الإسلام فاخضر عودها
هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها