للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أحمد: إذا رأيت أهل الحديث يقولون: فائدة أو غريب، فاتركه. فبيَّن بهذا أنه حديث ضعيف، فالعلماء إذا قالوا: فوائد أبي تمام، فوائد كذا، أي أحاديثه الضعاف، وهذا اصطلاح درج عليه العلماء الأوائل -رحمهم الله رحمة واسعة-.

قوله: (وَكُلُّهَا - سِوَى الْأَوَّلِ - آحَادٌ. وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ) بيَّن -رحمه الله تعالى- أن الآحاد بأقسامه الثلاثة يحتاج إلى بحث واستدلال ونظر حتى يتبيَّن أهو صحيح أو ضعيف؟، وقوله: (- سِوَى الْأَوَّلِ -) الذي هو المتواتر، وقد تقدم أن في هذا نظرًا، وأن المتواتر يحتاج إلى بحث واستدلال.

ثم بيَّن أن الآحاد فيه المقبول والمردود بخلاف المتواتر، والصواب أن في جميع الأحاديث سواء كان متواترًا أو آحادًا المقبول والمردود كما تقدم بيانه.

قوله: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى الْمُخْتَارِ) هذا مبحث في أحاديث الآحاد وإفادتها لغلبة الظن أو العلم،

وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أن أحاديث الآحاد تفيد غلبة الظن، وممن اختار هذا ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة) وكما في (مجموع الفتاوى)، لكن بيَّن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في بحث مفيد في (مقدمة أصول التفسير) وفي (رد الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية) أن حديث الآحاد إذا احتفت به القرائن فإنه يفيد العلم، وعزا هذا إلى علماء المذاهب الأربعة، بل قال أبو إسحاق الإسفراييني: الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم يفيد العلم بالإجماع. فهذه قرينة إلى أنه يفيد العلم، مع أن أبا إسحاق الإسفراييني من المتكلمين ومع ذلك ذكر أن الحديث إذا اتفق عليه البخاري ومسلم يُفيد العلم إجماعًا.

لذلك خبر الآحاد إذا احتفَّت به القرائن فإنه ينتقل من غلبة الظن إلى العلم، ومن القرائن: أن تعمل الأمة به، أو أن يرويه البخاري ومسلم، أو أن تتلقاه الأمة بالقبول، إلى غير ذلك من القرائن الكثيرة.

وقد ذهب بعض العلماء كابن القيم كما في (مختصر الصواعق) أن خبر الآحاد يُفيد العلم بمجرد صحته دون أن تحتف به القرائن، ونسب هذا إلى مالك وأحمد والشافعي وجماعة، ثم قال ابن القيم: وهذا العلم يتفاوت في قوته. فكأن خلاف ابن القيم مع من يقول إنه يفيد

<<  <   >  >>