للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- القسم الثاني: يخالف الضعيف الثقة، فقد جعل حديث الضعيف مردودًا أولًا لضعفه وثانيًا لمخالفته وسماه منكرًا، وجعل رواية الثقة مقبولة وتسمى معروفًا، يُقال: المنكر ويُقابله المعروف.

وقد ذكر ابن قطلوبغا في شرحه على (نخبة الفكر) أن طريقة العلماء الأولين على خلاف هذا، وقد صدق -رحمه الله تعالى- فإن الأولين يطلقون المحفوظ أكثر من إطلاقهم للمعروف، لكن يُطلقون المحفوظ في مقابل الخطأ، أي قد يُخالف الضعيف غيره من الضعفاء، لكن غيره أوثق منه فيقال: طريق الأوثق معروف، وإن كان مردودًا، وقد يُقال: محفوظ، وإن كان مردودًا.

• تنبيه: قد يقول المحدثون: هذا الطريق صحيح، وليس معناه أنه ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما ليس خطأً، وقد يُعبرون عنه بقولهم محفوظ أو معروف، وليس مرادهم أنه صحيح وثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما مرادهم أنه ليس خطأً كالطريق الآخر.

وإذا قلبت كتب العلل تراهم يقولون: والمحفوظ عن فلان ... والصحيح عن فلان، ولا يعنون بذلك أنه الثابت، وإنما هذا الوجه الصواب والذي يُقابله وجه خطأ، ثم يبحث في الوجه الصواب صحة وضعفًا ويُعبر عن الوجه الصواب الذي يُقابل الخطأ بالمعروف ويُقال عنه محفوظ ويُقال عنه صحيح، ويكثر في قولهم: الصحيح عن فلان، والمعروف والمحفوظ عن فلان، ويُوجد في كلامهم المعروف، لكنه أقل استعمالًا.

فإذن لا يُفرقون بين مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو مخالفة الضعيف للثقات خلافًا لما ذكره الحافظ ابن حجر، ويؤيد ذلك أنه روى أبو داود من حديث همام بن يحيى، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، قال أبو داود: هذا حديث منكر، خالف همام ... إلخ.

وهمام بن يحيى ثقة، ومع ذلك عبَّر بقوله: منكر. فإذن كل خطأ يُقال عنه منكر، سواء من ثقة أو من ضعيف، أي كل مخالفة مردودة على طريقة المحدثين يُقال عنها منكر، سواء كانت من ثقة أو من ضعيف، وسواء كان يُقابل الثقات أو الضعفاء.

وهذا ينفعنا فيما سيأتي ذكره في الشواهد والمتابعات -إن شاء الله تعالى-.

<<  <   >  >>