للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: (وَالْفَرْدُ النِّسْبِيُّ: إِنْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ الْمُتَابِعُ، وَإِنْ وُجِدَ مَتْنٌ يُشْبِهُهُ فَهُوَ الشَّاهِدُ.

وَتَتَبُّعُ الطُّرُقِ لِذَلِكَ هُوَ الِاعْتِبَارُ) ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- اصطلاحات ثلاثة: الشاهد، والمتابع، والتتبع.

والمراد بالمتابع: أي إذا روى راوٍ حديثًا فوجدت راويًا آخر يوافق هذا الراوي يسمى متابِعًا، وإذا روى راوٍ حديثًا متنًا ووجدت متنًا آخر يوافق هذا المتن يسمى شاهدًا، فإذن الشواهد في المتون والمتابع في الرواة، والاعتبار هو البحث عن الشواهد والمتابعات.

فقوله: (وَالْفَرْدُ النِّسْبِيُّ) أي الفرد النسبي انفرد به عن إمام ... إلخ كما تقدم بيانه، والأصوب -والله أعلم- أن يُقال: مطلق الفردية، أيُّ تفرد وجدت له متابِعًا فيقال: متابِع، أو المتن يشهد له يُقال له شاهد، ولو كان تفردًا مطلقًا -أي تامًا- لأنه قد يظن عالمٌ أنه من باب التفرد الفرد المطلق، لكن بالبحث تجد له متابعًا، فيتبيَّن أنه ليس فردًا مطلقًا، بمعنى: أنه قد ينفرد تابعي عن صحابي بحديث، فيُظن أنه من الفرد المطلق، لكن بعد البحث يتبيَّن أن له متابِعًا، فإذن هذا أشمل من أن يُقال في الفرد النسبي أو المطلق.

وفرَّق الحافظ بين المتابِع والشاهد، وفي استعمال الأولين لا يُفرقون بين هذين الأمرين، فاستعمالهم إلى المعنى اللغوي أقرب منه من المعنى الاصطلاحي، فالأمر عندهم واسع في إطلاق المتابعة وفي إطلاق الشواهد.

ثم من أهم مباحث علم الحديث: دراسة متى يتقوى الحديث بالشواهد والمتابعات، ومتى لا يتقوى؟ وتأصيل هذه المسألة ما تقدم ذكره، أن تقوية الحديث بغيره قد دل عليه الكتاب والإجماع وصنيع أئمة الحديث، قال الله سبحانه: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] واستدل بهذا ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، وقد حكى ابن تيمية كما في (تلخيص الاستغاثة) الإجماع على أن الحديث يتقوى بالشواهد والمتابعات، ومثله الألباني في كتابه (تحريم آلات اللهو والطرب)، وأما صنيع المحدثين فقد نص على هذا الإمام أحمد وغيره من أهل الحديث، وكلامهم كثير في هذا، وقد بيَّن هذا ابن رجب وغيره، أن الحديث يتقوى بغيره، وهذا تأصيلًا لا إشكال فيه، الإشكال في التطبيق.

ويتعلق بتقوية الحديث بالشواهد والمتابعات مسائل:

• المسألة الأولى: أن ما كان ضعفه شديدًا لا يتقوَّى بالشواهد والمتابعات، ذكر هذا ابن الصلاح، وذكره غيره، فمن كان ضعفه شديدًا لا يتقوى، وممن ذكر هذا

<<  <   >  >>