للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل ذلك قد يرى عنعنة ابن جريج فيردها لأنه مدلس، وهذا حق، لكن قد تكون روايته في الإسناد عن عطاء، ورواية ابن جريج عن عطاء مقبولة ولو عنعن، فإنه لا يُدلس عن عطاء.

وأمثال هذه الأمور لا تُعرف إلا بالرجوع إلى كتب التراجم، فلابد للطالب أن يتوسَّع ثم لا يكفي بالرجوع إلى كتاب (تقريب التهذيب)، فهو وإن كان نافعًا في معرفة خلاصة حكم الحافظ، فنجعله كبقية أحكام العلماء للوصول للنتيجة،

وأؤكد: إياك والاعتماد على الحفظ، فإنه لو قدر أن الرجال ثقات فيبقى هل سمع بعضهم من بعض أو لم يسمعوا؟ ثم لو قدر أنهم سمع بعضهم من بعض فيبقى هل الحفاظ الأوائل نقدوا هذا المتن أو لم ينقدوه؟ فبعض الأحاديث يسمع التلميذ من شيخه إلا هذا الحديث المعين لم يسمعه منه، ومن أمثلة ذلك حديث التشهد، فروى النسائي عن ابن مسعود أنه قال: «كنا نقوم قبل أن يُفرض علينا التشهد ... » وظاهر إسناده الصحة، وقد توارد كثير من المتأخرين على تصحيحه، إلا أن الإمام أحمد بيَّن في (العلل) أن سفيان بن عيينة لم يسمعه من شيخه، وهذه علة دقيقة لا تتبيَّن إلا بالرجوع إلى كتب العلل.

إذن لا يكفي النظر إلى ثقة الرواة، بل لابد من الرجوع إلى كتب العلل.

أما الأدب فهو عظيم للغاية، وينبغي لطالب العلم أن يجتهد في تحصيل الأدب وألا يكتفي بالعادات التي تربى عليها، بل يقرأ كتب الأدب كأدب الطلب حتى يُجمل نفسه بالأدب ويُحسنه، فنحن في حاجة ماسة إلى الأدب، سواء كبرت أسناننا أو صغرت، فلا نزال نقرأ في الأدب ونتعلم الأدب حتى نُجمل أنفسنا بالأدب، كأدب التعلم، وأدب الطلب، إلى غير ذلك، أسأل الله أن يجملنا بالأدب وأن يحسن أخلاقنا يا رب العالمين.

قوله: (وَسنِّ التَّحمُّلِ والأدَاءِ) هناك فرق بين التحمل والأداء، وعلى أصح أقوال أهل العلم أن الراوي إذا كان مميزًا يصح تحمله، بل لو كان كافرًا صحَّ تحمله، لكن لا يُقبل أداؤه إلا بعد الإسلام وذاك بعد البلوغ، فإذن لابد أن يُفرَّق بين سن التحمل وسن الأداء.

قوله: (وصِفَةِ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَعَرْضِهِ، وسَمَاعِهِ، وإسْمَاعِه، والرِّحْلَةِ فِيهِ، وتَصْنِيفِه: إمَّا عَلَى الْمَسانِيد، أو الأبْوَابِ، أو الْعِلَلِ، أَوِ الأطْرَافِ) أما صفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه، أظن لا نحتاج لهذا فلسنا في زمن كتابة الحديث.

<<  <   >  >>