للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلم ما يُقوي بدعته في الظاهر، لأن قيس بن أبي حازم وعدي بن ثابت ثقتان معروفان بالصدق ولا يكذبان، ولو كذبا لكشفهما أهل الحديث.

فلأنهم صدوقان قبل أهل العلم هذين الحديثين، بل رواه البخاري ومسلم، فروى البخاري ومسلم الحديث الأول، وروى مسلم الحديث الثاني، مع أنه يُقوي بدعتهما، وهذا هو الظاهر -والله أعلم- فإن المعول على الضبط والصدق.

قوله: (ثُمَّ سُوءُ الْحِفْظِ: إِنْ كَانَ لَازِمًا فَهُوَ الشَّاذُّ عَلَى رَأْيٍ، أَوْ طَارِئًا فَالْمُخْتَلِطُ) تقدم أن هذه التفصيلات بهذه الدقة ليست صحيحة، لكن قوله: (إِنْ كَانَ لَازِمًا فَهُوَ الشَّاذُّ عَلَى رَأْيٍ) تقدم أن معنى الشاذ هو مطلق التفرد، قد يكون من الثقة وقد يكون من الضعيف. وقوله: (أَوْ طَارِئًا فَالْمُخْتَلِطُ) الراوي المختلط، ينبغي أن يُنتبه لمبحث مهم وهو أن الاختلاط والتغير نوعان:

• النوع الأول: الاختلاط غير الضار.

• النوع الثاني: الاختلاط الضار.

والاختلاط غير الضار هو أن يتغير حفظ الراوي تغيرًا لا يجعله يُغير في الأحاديث وأسانيدها، أو يكون تغير تغيرًا يُغير في الأحاديث وأسانيدها لكنه لم يُحدث حال اختلاطه الاختلاط الضار، فمنعه أبناؤه وطلابه ... إلى غير ذلك.

أما الاختلاط الضار فهو الذي تغير تغيرًا ضارًا وحدَّث في حال تغيره.

والضابط في التفريق بينهما: أن العلماء إذا قالوا: إن كان حدَّث قديمًا فطلابه القدماء ضبطوا، بخلاف طلابه الذين بعد ذلك فلم يضبطوا، أو غايروا بين السنين، فقالوا: من روى عنه قبل سنة كذا ضبط وبعد سنة كذا لم يضبط ... فإذا ذكروا ما يدل على تحديد زمن ضبطه وعدم ضبطه وعلى قبول روايته وعدم قبول روايته بالنظر إلى حاله وزمانه ونفسه؛ فهذا تغير ضار ويسمى اختلاطًا. هذا ملخص ما قرره المعلمي في كتابه (التنكيل) وهو بحث نفيس يُكتب بماء الذهب، فكثير من الحفاظ يحصل له تغير، وليس كل تغير يُرد به الحديث، فقد يكون تغيرًا لا يضر، لكن لم يكن حفظه مثل قبل، وقد يكون تغير تغيرًا يضر وهو الاختلاط، ثم الذي تغير تغيرًا يضر قد يكون لم يُحدث حال تغيره، فهذا لا يضر تغيره، لأنه لم يحدث حال تغيره، والذي يضر هو من تغير تغيرًا ضارًا فحدَّث.

<<  <   >  >>