للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورواه عن الثوري جماعة، وانفرد عن الثوري مؤملُ بن إسماعيل، وذكر فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع يديه على الصدر في الصلاة، وينفرد بهذا مؤمل بن إسماعيل، وتابعه محمد بن يوسف الفريابي وهو من أوثق الناس في الثوري وآخرون ولم يأت بهذه الزيادة، ثم تابع الثوري جماعة منهم ابن عيينة وشعبة وغيره ولم يأتوا بها، فهذا كله يدل على أن زيادة ذكر وضع اليدين على الصدر منكرة وشاذة ولا تصح؛ لأن مؤمل بن إسماعيل خالف الثقات وأتى بها، زيادةً على انفراد عاصم بن كليب بالحديث على ما تقدم تقريره.

لذا قال ابن المنذر: لم يصح حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وضع اليدين على الصدر، وقال الإمام أحمد في مسائل أبي داود: أكره وضع اليدين على الصدر.

ومثالٌ ثانٍ: وهو أن حديث وائل بن حجر المتقدم رواه جماعة وممن رواه عن الثوري كما تقدم الفريابي وغيره، لكن الحديث رواه جماعة عن عاصم بن كليب ثم عن عاصم بن كليب رواه جماعة، ثم انفرد عن أحدهم عبد الرزاق الصنعاني، وأتى بزيادة: "قال أشار بأصبعه ثم سجد"، فذهب ابن القيم في كتابه (الهدي) وتبعه شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- إلى أنه يُستحب الإشارة بالأصبع بين السجدتين، وهذه الزيادة منكرة وشاذة، خالف فيها عبد الرزاق الناس، لذا فقهيًا لا تجد من العلماء من ذكر هذه المسألة إلا ابن القيم ومن تبعه كما بيَّن هذا العلامة الألباني -رحمه الله تعالى-، أما حديثيًا فهي شاذة ومنكرة، ليس عليها عمل العلماء الأولين.

وعلى هذا فقس، فإن هناك أمثلة كثيرة ينبغي أن تُدرس وأن تُضبط، فهذا المبحث مبحث زيادة الثقة تنبني عليه مسائل كثيرة، ومن أهم مباحثها ما تقدم ذكره من المسائل، وأهم هذه المسائل أن يُعرف معنى المخالفة والمنافاة عند الأولين من المحدثين لا الفقهاء.

قوله: (فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحَ فَالرَّاجِحُ الْمَحْفُوظُ، وَمُقَابِلُهُ الشَّاذُّ. وَمَعَ الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ الْمَعْرُوفُ، وَمُقَابِلُهُ الْمُنْكَرُ) قسَّم الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- المخالفة إلى قسمين:

• القسم الأول: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، إما عددًا أو حفظًا، فإذا خالف الثقة من هو أوثق منه إما عددًا أو حفظًا تكون رواية الثقة مردودة وتسمى شاذة، ويُقابله رواية الثقات أو الأوثق ويُقال عنها محفوظ، فالمردود يقال عنه شاذ، والمقبول يسمى محفوظًا.

<<  <   >  >>