للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غلبة الظن خلاف قريب من اللفظي، لأنه اعترف أن هذا الذي يفيد العلم أيضًا يتفاوت في العلم الذي يُفيده، فالأمر فيه سهل، لكن ينبغي أن يُعلم ما يلي:

• الأمر الأول: أن خبر الآحاد حجة في الفقه والعمل، وقد دلت على ذلك أدلة كثيرة، وقد ذكرها الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه (الرسالة)، وبسطها الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه)، ثم حكى الإجماع على أن خبر الآحاد حجة في العمل به جماعة من أهل العلم منهم ابن القاص، نقله عنه الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه) وأقره الخطيب، ومنهم ابن عبد البر في أوائل كتابه (التمهيد)، ومنهم ابن تيمية في (دفع الاعتراضات المصرية)، ومنهم ابن القيم كما في (مختصر الصواعق).

• الأمر الثاني: خبر الآحاد حجة في العقائد بالإجماع، وذلك للأدلة الكثيرة على قبول خبر الآحاد في العقائد، ومنها ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذًا إلى اليمن وقال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا لله» الحديث، فقد أقام الحجة بمعاذ -رضي الله عنه- ومن معه، وهؤلاء لم يبلغوا حد التواتر على ضابط التواتر عند المتكلمين.

أما الإجماع على أن خبر الآحاد حجة في باب العقائد فقد حكاه جماعة منهم ابن عبد البر في أوائل كتابه (التمهيد) وابن تيمية في (دفع الاعتراضات المصرية).

بعد هذا: إن ذكر التواتر في علم الحديث أمرٌ قد ذكره العلماء الماضون، وممن ذكر ذلك الإمام البخاري، فقد قال في حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن»: حديث متواتر.

لكن للتواتر معنًى عند أئمة وفرسان هذا الفن يختلف عن معناه عند علماء المصطلح، فما تقدم ذكره من شروط التواتر هو قول المتكلمين لا الفقهاء ولا أئمة السلف الأولين، وأول من ذكره في كتب مصطلح الحديث الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-، وإلا أصله مأخوذ من المتكلمين.

لذا ليس لهذه الشروط ذكر في كلام العلماء الماضين، لا تصريحًا ولا تلميحًا، بل لهم كلام يدل على خلاف ذلك، فإن للشافعي كلامًا يدل على نقد بعض شروط التواتر، ومثله الدارمي في رده على بشر المريسي.

<<  <   >  >>