للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:

قوله: (والرِّحْلَةِ فِيهِ) الرحلة في طلب العلم مفيدة للغاية، وهي سبيل لتحصيل العلم، ولذا كان العلماء أهل رحلة، لكنه مراد لغيره لا لذاته، فالإمام مالك وهو إمام الدنيا لم يكن معروفًا بالرحلة، لأنه كان بالمدينة وكان الناس يفدون إلى المدينة، وكان يأخذ العلم عنهم، أما من العلماء من اشتهر بالرحلة كالإمام أحمد وابن معين وأبي حاتم وغيرهم، فالرحلة في العلم عبادة عظيمة، وقد رحل جابر شهرًا في حديث واحد كما علقه البخاري، فهي عبادة عظيمة لكن أؤكد أنها مرادة لغيرها لا لذاتها.

قوله: (ومعْرفة سَبَبِ الْحَدِيث: وَقَدْ صَنَّفَ فيه بَعْض شُيوخِ القاضِي أَبي يَعْلَى بن الْفَرَّاءِ) سبب الحديث مهم في معرفة معنى الحديث، لكن كثيرًا من الأسباب لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما صحَّ منها فهو مفيد في معرفة معنى الحديث، كأسباب النزول في الآيات.

قوله: (وصَنَّفُوا في غَالِب هذِه الأنْوَاعِ. وهِيَ نَقْلٌ مَحْضٌ، ظاهِرَةُ التَّعْرِيفِ، مُسْتَغْنِيَةٌ عنِ التَّمْثِيِلِ، وَحَصْرُها مُتَعَسِّرٌ: فَلْتُرَاجَعْ لها مَبْسُوطاتُها، والله الْمُوَفِّقُ والهَادِي، لا إله إلَاّ هُوَ.) وصدق فإن العلماء لم يُقصروا، وقد ألفوا في كل فن مؤلفات كثيرة-رحمهم الله رحمة واسعة-

وأختم ببيان الموقف من كتب المصطلح، فقد يقول قائل: قد ذكرت كثيرًا من الأخطاء التي يذكرها علماء المصطلح، فهل معنى هذا أننا نتركها وندعها ونحاربها؟

يُقال: كلا، ينبغي أن نكون في هذا الباب وسطًا لا إفراط ولا تفريط، فلا نكون كالذين غلوا في محاربة كتب المصطلح، فأخذوا يشيدون بحربها ومخالفتها ويدعون إلى عدم قراءتها، ولا في المقابل نكون ممن غلا في التعلق بها وجعلها طريقه ونبراسه، وإنما نكون كما كان أهل العلم، يُنكتون، فتقرأ في كتب المصطلح وتتفهمها والخطأ تُبيِّنه، بلا إفراط ولا تفريط، فإن فيها من الكنوز والفوائد ما الله به عليم.

أسأل الله أن يغفر لنا أجمعين، وأن يجعل هذا الشرح حجة لنا لا علينا،

وأسأل الله أن يغفر للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وأن يجمعني وإياكم وإياه ووالدينا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين.

<<  <