للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشراف) للمزي، فإنه عالم متميز ودقيق، فما يذكره هو أوثق من غيره -والله أعلم-.

قوله: (وَزِيَادَةُ رَاوِيهِمَا مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ) أي زيادة راوي الحديث الحسن، وزيادة راوي الحديث الصحيح، مقبولة ما لم تقع مُنافية لمن هو أوثق، وهذا تأصيل صحيح، فكل ثقة مقبول تُقبل روايته من حيث الأصل ما لم يُخالف من هو أوثق منه، وهذا تأصيل واضح وقد نص على هذا الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- قال: قد يكون بأن يكون أحفظ أو أكثر عددًا.

وهذه المسألة هي المسماة بمسألة زيادة الثقة، وقبل الخوض في هذه المسألة ينبغي أن يُفهم تأصيل مهم ودقيق للغاية وهو: أن المخالفة عند علماء الحديث تُغاير وتختلف عن المخالفة عند علماء الفقه، فليس معنى المخالفة عند علماء الحديث عدم إمكان الجمع، فقد يروي الثقات حديثًا ثم ينفرد ثقة عنهم بزيادة يمكن أن يُجمع بين هذه الزيادة وبين أصل الحديث، لكن هذا عند علماء الحديث يُسمى مخالفة ولو أمكن الجمع بما أنه زاد أمرًا يترتب عليه حكم، بخلاف علماء الفقه.

لذا قول ابن حجر هنا: (مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً) أي منافيةً على طريقة المحدثين لا على طريقة الفقهاء، كما نبَّه عليه في (هدي الساري) وفي شرحه على البخاري، قال: المُنافاة على طريقة المحدثين. وفرق بين المُنافاة على طريقة المحدثين والمنافاة على طريقة الفقهاء، فعند الفقهاء لو زاد أحد الرواة زيادة فيقولون هذا خاص وذاك عام، أو مُطلق ومُقيد، ويُحاولون الجمع بطرق الجمع الكثيرة، أما المحدثون إذا زاد ثقة عن غيره زيادةً يترتب عليها حكم -أي لها معنًى- فإنها تُعد زيادة وتُبحث بحث زيادة الثقة، ولو أمكن الجمع.

وتقدم ما ذكر ابن القيم في تهذيب السنن تعقيبًا على ابن القطان لما ذكر حديث أنس في تخليل اللحية، قال: "وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات" فقد حاول ابن القطان أن يجمع على طريقة الفقهاء لكن رد عليه ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وبمثل هذا قال ابن حجر لما قال: المُنافاة على طريقة المحدثين.

إذن إذا قال المحدثون: خالف فلانٌ فلانًا. ليس معنى هذا أنه لا يمكن الجمع، بلى يمكن الجمع على طريقة الفقهاء، لكن زاد شيئًا يترتب عليه معنًى ولم يأت بها البقية، ومن

<<  <   >  >>