للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله ... »، تساهل فيه مسلم وأخرجه في صحيحه، لأن له شواهد، ثبت عن أبي سعيد في صحيح مسلم، ثم إذا تدبرت معناه لم تره أتى بحكم جديد، فلذلك تساهل فيه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-، وقد تقدم أنهم يتساهلون في الانقطاع لقرينة متنية أو لقرينة إسنادية.

• المسألة الرابعة: إذا عُرف الراوي واشتهر بكثرة التدليس لا يُقبل حديثه حتى يُصرح بالسماع، نص على هذا الإمام مسلم في كتابه (التمييز)، وذكر هذا الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في رواية ابن جريج، وذكره غيره في غيره من الرواة، كابن عدي في كتابه (الكامل).

فإذن إذا كان المدلس مشهورًا ومُكثرًا من التدليس بالنسبة إلى رواياته فإنه لا يُقبل حتى يُصرح بالسماع، وقد رأيت بعض المعاصرين وقع في بدعة وقال: تُقبل رواية المدلس أكثَر أو لم يُكثر ولو روى بصيغة ليست صريحة بالسماع، وزعم أن السلف الأولين على ذلك، وقد أخطأ ووقع في بدعة كبرى تنبني عليها أخطاء كثيرة، فقد تقدم كلام الإمام أحمد وكلام مسلم في (التمييز) وغيرهم من أهل العلم، فلابد أن يُفرق بين من أكثر من التدليس بالنسبة إلى رواياته وبين من لم يُكثر على ما تقدم تفصيله.

قوله: (وَكَذَا الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ مِنْ مُعَاصِرٍ لَمْ يَلْقَ) سيتكلم المصنف -رحمه الله تعالى- عن اشتراط السماع واللقاء ... إلخ، لكن المرسل إرسالًا خفيًا وهو أن يُرسل عمن لم يسمع ويُمكن أن يسمع منه لكن لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع، فهذا يسمى مرسلًا خفيًا، ويُطلق عليه التدليس كما تقدم.

وينبغي أن يُنتبه إلى أمر مهم وهو أنه عند دراسة الأحاديث لا يكتفى بالنظر إلى ثقة الراوي بل لابد إذا كانت الصيغة غير صريحة في السماع أن يُرجع إلى كتب السماع، وكلام العلماء في عدم سماع فلان من فلان أُفردت فيه مصنفات ويُذكر في كتب التراجم، كما ذكره المزي في (تهذيب الكمال) وابن حجر في (تهذيب التهذيب)، وذكره بشار عواد في حاشيته على (تهذيب الكمال) وذكر فوائد كثيرة عن مغلطاي وغيره، وأفرد العلائي كتابًا مفيدًا في ذلك سماه: (جامع التحصيل)، وكذلك كتب العراقي كتابًا بعنوان: (تحفة التحصيل)، أورد ما ذكر العلائي وزاد عليه.

<<  <   >  >>