للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: (وَالْإِنْبَاءُ: بِمَعْنَى الْإِخْبَارُ. إِلّا فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِرِينَ فَهُوَ لِلْإِجَازَةِ كَعَنْ) هذا الأصل فيه أنه لا فرق بين قول: سمعت، وحدثني، أو سمعنا، وحدثنا، أو أخبرني أو أخبرنا، الأصل أنه لا فرق بينهما، وصرح بهذا يحيى بن سعيد فيما رواه الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية)، فلا فرق بين سمعت وسمعنا وحدثني وحدثنا وأخبرني وأخبرنا، وذكر نحوه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، إلا إذا تبيَّن أن للعالم اصطلاحًا خاصًا، وإلا الأصل أنه لا فرق بين هذه الصيغ.

قوله: (وَعَنْعَنَةُ الْمُعَاصِرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إِلَّا مِنْ المُدَلِّسٍ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ لِقَائِهِمَا -وَلَوْ مَرَّةً-، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) تنازع العلماء في عنعنة المعاصر الذي لم يثبت لقاؤه ولا سماعه من شيخه، فتعاصر رجلان وأمكن أن يسمع التلميذ من شيخه أو أمكن أن يسمع أحدهما من الآخر ولم يأت في طريق أنه سمع أحدهم من الآخر، وإنما روى بصيغة تحتمل السماع، فهذه تسمى عنعنة المعاصر.

وذهب الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في مقدمته إلى أن عنعنة المعاصر صحيحة ومقبولة، وذهب الإمام البخاري إلى أن عنعنة المعاصر لا تُقبل حتى يثبت اللقي، ومذهب البخاري أصح، بل حكاه ابن رجب إجماعًا عن المحدثين قبل الإمام مسلم، كما حكاه في شرح الأربعين، وحكاه في شرح (العلل)، فالمحدثون مجمعون على شرط البخاري، وأنها لا تُقبل عنعنة المعاصر حتى يثبت لقاؤه به ولو مرة، إما أن يُصرح بالسماع أو بنحو ذلك.

ويؤكد هذا أن الراوي إن سلم من التدليس قد لا يسلم من الإرسال الخفي، فلا يمكن ضبط هذا إلا بأن يثبت اللقي، فإذا ثبت اللقي ولو مرة ولم يُوصف بالتدليس فالأصل أن تقبل روايته؛ لأنه قد تقدم أن التدليس يُطلق على التدليس المعروف وعلى الإرسال الخفي، لكن قد لا يُطلق على الإرسال الخفي، ولا يُقال عنه مدلس ولو كان عنده إرسال خفي بالمعنى الذي ذكره الحافظ ابن حجر كما تقدم بيانه، وقد يُطلق التدليس على من عنده إرسال خفي.

فالمقصود أن شرط البخاري أصح، وعلى هذا المحدثون الأوائل الذين هم قبل الإمام مسلم، وقد قال أبو حاتم: واتفاق أهل الحديث حجة. ويُقوي هذا أن فيه سد الباب على أصحاب الإرسال الخفي، كما بيَّن هذا ابن حجر في النكت على ابن الصلاح.

وأنبه إلى مسائل:

<<  <   >  >>