يجعله في المشاهدات والتوابع، وإنما جعله في الأصول واعتمده لتصحيحه رواية الوجادة، إلى غير ذلك من الأحاديث.
فلذا الاصح -والله أعلم- القول الثاني، أنه إذا ناول تلميذه، أو وجد كتب شيخه ... إلخ، فالأصل أنه يصح أن يروي عنها ما لم يتبيَّن أن في الكتب شيئًا.
قوله:(وَكَذَا اشْتَرَطُوا الْإِذْنَ فِي الوِجَادَةِ، وَالْوَصِيِّةِ بِالْكِتَابِ وَفِي الْإِعْلَامِ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ كَالْإِجَازَةِ الْعَامَّةِ، وَلِلْمَجْهُولِ، وَلِلْمَعْدُومِ، عَلَى الْأَصَحِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) واشتراط الإذن في الوجادة قول الجمهور وإلا في المسألة قول ثانٍ أن الإذن ليس شرطًا وهو الصحيح كما تقدم، ومن أمثلة الرواة: مخرمة بن بكير عن أبيه، وقوله:(وَالْوَصِيِّةِ بِالْكِتَابِ) أن يوصي عند موته بكتبه لولده أو تلميذه فلان، لكن لا يأذن له بالرواية، أو يوصي عند سفره بكتبه لتلميذه فلان، لكن لا يأذن له بالرواية، على الصحيح أنه تصح له الرواية ولو دون إذن، وقوله:(وَفِي الْإِعْلَامِ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ) أي أن يُعلم أن عنده كتبًا فيقول لأحد طلابه: عندي كتب. ويُعلمه بكتبه، لكن لم يأذن له بالرواية، فوجد تلميذه هذه الكتب، فإن له أن يروي عن هذه الكتب، وأوضح من هذا أن يُعلم الشيخ تلميذه أنه يروي عن الشيخ فلان وأنه قد سمع من فلان، فيعتد بإعلامه له، وكذا فيما تقدم ذكره من أعلمه بأن له كتبًا عن فلان ولم يأذن له في الرواية عنه، فكذلك يُعتد به.
وقوله:(وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ) أي دون الإذن، وهذا مذهب الجمهور والصواب خلافه كما تقدم، وقوله:(وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ) أي كمثل الذي لا يُعتد به (كَالْإِجَازَةِ الْعَامَّةِ وَلِلْمَجْهُولِ، وَلِلْمَعْدُومِ، عَلَى الْأَصَحِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) ففي الإجازة العامة يقول: أجزت أهل المدينة أو أجزت المسلمين عمومًا، وهذه لا يُعتد بها، وله أيضًا أن يُجيز مجهولًا فيقول: أجزت رجلًا، وهذا الرجل مجهول لا يُعرف، أو يقول: أجزت محمدًا. فهذا مهمل وهو من أنواع المجهول، أما المعدوم فكقول: أجزت أولاد فلان إذا وُلدوا. وليسوا موجودين، وقوله:(عَلَى الْأَصَحِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أما الإجازة فأمرها كما ذكر الحافظ، أما ما تقدم في الوصية والمناولة والوجادة ... إلخ، فالصواب أنه لا يُشترط إذن الشيخ -والله أعلم-.
ثم أنبه إلى المبالغة في الإجازات، وقد كان الشيخ محمد ناصر الدين الألباني يذم هذه الإجازات التي انتشرت في هذه العصور المتأخرة، وكذلك العلامة الحافظ الكبير الشيخ عبد الله الدويش -رحمه الله تعالى- كان يذم هذه الإجازات، ويقول: لا فائدة منها. وصدق -رحمه الله تعالى- فإن كثيرًا من الطلاب يحرص على هذه الإجازات وقد يُسافر شرقًا