تنبيه: إن العلماء الأولين إذا تكلموا على الحديث فهم إلى المعنى اللغوي أقرب منه إلى المعنى الاصطلاحي، فأكثر عباراتهم ترجع إلى المعنى اللغوي، ولم يأتوا باصطلاح جديد، وإنما بمعانٍ عربية معروفة.
المقدمة الثالثة:
ما دخل علم الكلام علمًا إلا وأفسده، فإن المتكلمين ليسوا علماء بإجماع أهل العلم ولا فقهاء، ذكر الإجماع ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتابه (جامع بيان العلم وفضله)، وكلام أئمة أهل السنة كالإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم في تحريم علم الكلام وذمه كثير مسطور مزبور، نقل طرفًا منه ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله)، وقوام السنة في كتابه (الحجة في بيان المحجة)، وألف الهروي كتابًا كاملًا بعنوان:(ذم الكلام وأهله)، ونقل فيه نقولات مفيدة عن أهل العلم، فإن العلماء متواردون على إنكار علم الكلام وأنه ضلالة وباطل ولا يجوز في الشريعة.
ومن علم الكلام علم المنطق، فإنه محرم بإجماع أهل العلم، حكى الإجماع النووي، وابن الصلاح، وجماعة من أهل العلم، لذا يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-في كتابه (مفتاح دار السعادة): ما دخل علم المنطق علمًا إلا وأفسده. وهكذا علم الكلام الذي منه علم المنطق، ما دخل علمًا إلا وأفسده.
وبعض الناس قد تكون عنده نُهمة، أو لا يكون عارفًا لحقيقة العلم، فيقول: لن أقتنع بفساد علم الكلام حتى أدرسه، وأقل ما في فعله هذا من المفاسد أنه يُضيع عمره فيما لا ينفع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم كان يقول:«اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع»، فما بالكم وفيه من المحرمات وما يُؤدي إلى الضلالات ما الله به عليم.
وقد درس هذا العلم جماعات وندموا على دراسته، منهم من المتكلمين الرازي مثلًا، وبرع في هذا العلم وندم على دراسته، ومنهم من هو من أهل السنة ودرسه للرد على المتكلمين كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيَّن أنه لا فائدة من هذا العلم بل هو سبب للضلالة، ومنهم الشوكاني في شرح حديث:«الحلال بيِّن والحرام بيِّن» قال: أُنبئك عن رجل قد درس هذا العلم وأكمل دراسته حتى بلغ الغاية فيه. ثم بيَّن أنه لا فائدة من هذا العلم، وأن من يغتر بهذا العلم هو من لم يتعمَّق في دراسته، لذلك ما دخل علم الكلام علمًا إلا وأفسده، ومن ذلك علم الحديث.