للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب التساهل فيه أن فضل الله واسع، وكم من عبادة نعملها ولا نعرف فضلها وقد يكون لها من الفضائل ما الله به عليم، ففضل الله واسع، ثم لا يترتب على ذلك حلال ولا حرام، فلذلك يُسهَّل فيه ما لا يُسهَّل في غيره.

ويُخطئ كثيرون ويُصححون أحاديث في الترغيب والترهيب وأصل الحكم الذي دل عليها هذا الأحاديث ليس ثابتًا بطريق صحيح، فرجع تصحيحهم لهذا الحديث إلى أن صححوه في الأحكام، فمثل هذا ينبغي أن يُشدد فيه، ومن أمثلة ذلك: حديث فضل الذكر عند دخول السوق، والحديث ضعيف ضعفه ابن عدي وغيره، لكن لو أراد رجل أن يتساهل في هذا الحديث بحجة التسهيل في أحاديث الترغيب والترهيب، فيقال: تصحيح هذا الحديث ينتج منه استحباب هذا الذكر، فرجع إلى الأحكام؛ لأن ما دل على الاستحباب أو الوجوب أو الحرمة أو الكراهة فهو راجع إلى الأحكام، فإنه لم يصح حديث في استحباب هذا الذكر، ثم جاء حديث في بيان فضله، فلو صح حديث في استحباب هذا الذكر ثم جاء حديث في بيان فضله لتُسوهل في هذا الفضل، أما وأن يُبنى الأمر على تصحيح حديث في الفضل وينتج منه القول باستحبابه فإن مثل هذا لا يجوز.

وهذا أمر ينبغي أن يُتفطن إليه وأن يُعرف وأن يُدرك.

المقدمة السابعة:

هذا العلم العظيم يُدرك بكثرة المِرَاس والتطبيقات، ليس بالشيء النظري، فإن بعض الناس تجده مُبرزًا في دراسة علم المصطلح نظريًا، لكنه في باب التطبيق والممارسة ضعيف وقليل التجربة، فمثل هذا لا يكون ذا معرفة بالأحاديث صحةً وضعفًا.

وقد رأيت بعضهم متميزًا في دراسة علم المصطلح ومتوسعًا فيه، لكنه ضعيف للغاية في معرفة الأحاديث صحيحةً أو ضعيفة، وهذا خطأ كبير، فينبغي أن يكون طالب العلم ذا مِرَاس وتجربة وتطبيقات كثيرة حتى يشتد ساعده ويقوى، فإن هذا العلم لا يُدرك إلا بكثرة الممارسة، وقد ذكر هذا الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-، وابن حجر في كتابه (النكت)، وابن رجب في شرحه على (العلل)، وابن الصلاح في بعض المباحث.

فإن من أكثر التخريج وحاول أن يعرف كيف العلماء حكموا بالصحة والضعف، وتدرب كثيرًا اشتدَّ ساعده وقوي في هذا العلم، لذا أوصيك بأن تجتهد في ذلك وأن تستفيد من كتب الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-، وألا تقف عندها، بل أوصيك أن تبتدئ بها وأن تتوسع بعد ذلك، وأن تعلوا وترتفع حتى ترجع إلى أئمة وفرسان هذا العلم.

<<  <   >  >>