للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن القطان الفاسي، وهو أنهم يُطلقون على المُرسِل إرسالًا خفيًا مُدلسًا، والجامع له المعنى اللغوي وهو التدليس، أن فيه تدليسًا، وهذا ما يُستفاد من كلام الخطيب في كتابه (الكفاية) وابن الصلاح في مقدمته.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن العلماء يصفون من يُرسل إرسالًا خفيًا بأنه مدلس، لكن قد لا يصفونه وقد يصفونه، والجامع التدليس، وهو شامل للإرسال الخفي وشامل للتدليس المعروف.

وترد مسائل مهمة في التدليس:

• المسألة الأولى: حكم التدليس، حكمه من حيث الأصل جائز، لأنه ليس صريحًا في الكذب وإنما هو تورية، وإن كان الأفضل ألا يفعل، لكنه من حيث الأصل جائز، لأنه ليس كذبًا، وهو استعمال قد شاع بين المحدثين، فهو جائز وهذا هو الشائع عند أهل العلم، خلافًا لمن شدد فيه ورعًا أو رأى حرمته.

• المسألة الثانية: التدليس من حيث الجملة نوعان:

o النوع الأول: تدليس شيوخ، وتدليس إسناد، والمراد بتدليس الشيوخ: يروي عن شيخه بأسماء وألقاب وكنًى مختلفة يُوهم أنه أكثر من شيخ وهو شيخ واحد، وله دوافع وأسباب.

o النوع الثاني: تدليس الإسناد، وهو أن يُوهم سماعه من هذا الشيخ وهو لم يسمع منه، كما تقدم في قول الأعمش: حُدثت عن أبي صالح، وفي صحيح مسلم: عن أبي صالح.

وأكثر البحث في كتب الحديث والمصطلح هو تدليس الإسناد، لأنه ينبني عليه الصحة والضعف، ويبحثون تدليس الشيوخ ليُميز الراوي، لكن البحث الكثير هو التدليس في الإسناد.

• المسألة الثالثة: ليس كل مدلس تُرد روايته إذا لم يأت بلفظ صريح في السماع، وإنما تُرد رواية من كثر تدليسه وغلب في حديثه بالنسبة إلى رواياته، فقد يكون كثير الرواية كأبي إسحاق، وقد يُدلس كثيرًا لكنه قليل بالنسبة إلى رواياته، ومثل ذلك الأعمش، تدليسه كثير لكن قليل بالنسبة إلى رواياته، ذكر هذا علي بن المديني، قال: تُرد رواية المدلس إذا أكثر. رواه عنه الخطيب البغدادي، ونقله ابن حجر في (النكت).

<<  <   >  >>