للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ مُعَاصِرٍ لَمْ يَلْقَ) هذه مباحث دقيقة، فقوله: (قَدْ يَكُونُ وَاضِحًا أَوْ خَفِيًّا. فَالْأَوَّلُ: يُدْرَكُ بِعَدَمِ التَّلَاقِي) بأن يروي تابعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كأبي العالية أو عطاء، أو الحسن، أو غيرهم، فيُعلم بالتاريخ بعدم التلاقي، أن هذا مُرسل.

وقوله: (وَمِنْ ثَمَّ احْتِيجَ إِلَى التَّأْرِيخِ) بأن يُنظر في تاريخ ولادة هذا وفي تاريخ موت هذا، وهكذا فيمن دون ذلك من رواية راوٍ عن راوٍ آخر، وعلى هذا فقس، فإذن الأول الذي يكون واضحًا يُدرك بعدم التلاقي، وهذا معروف عند المحدثين، بخلاف غيرهم.

قوله: (وَالثَّانِي ... ) أي الخفي، والخفي يُطلق على نوعين: على المدلس، وعلى المرسل الخفي، والفرق بين المدلس والمرسل الخفي: على ما قرر الحافظ -رحمه الله تعالى- أن المدلس قد روى عن شيخه أحاديث سمعها وأوهم أنه يروي عنه أحاديث أخرى لم يسمعها، وأتى بصيغة غير صريحة في التحديث، كما روى الإمام مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ... » الحديث.

قال الترمذي: قال الأعمش: حُدثت عن أبي صالح. فدل هذا على أن الأعمش لم يسمعه من أبي صالح، وفي صحيح مسلم قال: "عن" ولم يأت بصيغة صريحة في السماع، والأعمش سمع من أبي صالح أحاديث، لكن هذا الحديث لم يسمعه، فيُقال عنه مدلس، إذن المدلس سمع من شيخه أحاديث وأوهم أنه سمع منه أحاديث أخرى، بشرط أن تكون الصيغة ليست صريحة في السماع، لأنها لو كانت صريحة في السماع ولم يسمعها لكان كذابًا.

والمرسل الخفي هو الذي يروي عن راوٍ قد أدركه وعاصره، لكن لم يسمع منه، فروى عنه بصيغة تحتمل السماع وليست صريحة، فإذن الفرق بين المرسل الخفي والمدلس: أن المدلس قد سمع أحاديث وأوهم أنه سمع أحاديث أخرى لم يسمعها، أما المرسل إرسالًا خفيًا فهو لم يسمع شيئًا لكن يمكنه أن يسمع، وكلاهما أتيا بصيغة تحتمل السماع وليست صريحة.

قوله: ( ... مِنْ مُعَاصِرٍ لَمْ يَلْقَ) أي بإمكانه أن يلقاه، ولاحظ قوله: (كَعَنْ، وَقَالَ) لأنها ليست صريحة في السماع، هذا هو الفرق بين المدلس والمُرسل إرسالًا خفيًا، أو المُدلَّس والمرسل إرسالًا خفيًا، وهذا على طريقة الحافظ، وسبقه إلى ذلك البزار، وابن القطان الفاسي، قال العراقي في (التقييد والإيضاح): وطريقة المحدثين على خلاف صنيع البزار

<<  <   >  >>