للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنهم يحصرون العلة في الأمر الخفي، وقد تكلم بنحو من هذا أبو عبد الله الحاكم في (معرفة علوم الحديث)، لكن قد يُقال إن كلامه من باب الغالب، لأن كلام الأولين أبعد عن الحد والضبط عن كلام من بعدهم، فإن المتأخرين معتنون غاية الاعتناء بالحدود، وإذا عرَّفوا تعريفًا فيريدون كونه جامعًا مانعًا ... إلخ.

فالمقصود أن العلة في كلام العلماء الماضين تُطلق على الأمر القادح سواء كان خفيًا أو ظاهرًا.

قوله: (وَلَا شَاذٍّ) عرَّف الشاذ -كما سيأتي- بمخالفة الثقة لمن هو أوثق، إما ضبطًا أو كثرةً وعددًا، فإذا خالف الواحد جمعًا من الثقات أو من هم أوثق منه فيُقال عنه: شاذ.

والذي يظهر -والله أعلم- أن الشذوذ أشمل من هذا، وإن كان دالًا على هذا لكنه أشمل من هذا، وكل ما دلَّ لغةً على أنه شذَّ -أي انفرد انفرادًا لا يُقبل- فإنه يُقال عنه شاذ، سواء انفرد الثقة أو الضعيف، وسيأتي بيان هذا أكثر -إن شاء الله تعالى-.

ثم ليُعلم أن تعبير العلماء بلفظ (الشاذ) في كتب العلل نادر أو لا يكاد يوجد، وقد قلَّبت ما يسر الله منها ولم أجدهم عبَّروا عن حديث بأنه شاذ، وإنما يقولون: منكر، وخطأ، وغير ذلك.

إذن المُعوَّل على الرواة أن يكونوا ضابطين، وأن يكونوا صادقين، فيجمعوا بين الصدق والضبط، ثم ألا يكون السند منقطعًا بينه وبين شيخه، ثم ألا يكون في المتن ما يمنع من قبوله بأن يُخالف غيره مما هو أصح منه فيستوجب رده، فإذا اجتمعت هذه الأمور في حديث فإنه يكون حديثًا صحيحًا.

أما أن يكون الراوي مُسلمًا فهذا شرط بالإجماع، فإن الكافر لا تُقبل روايته، حكى الإجماع النووي -رحمه الله تعالى-.

قوله: (وَتَتَفَاوَتُ رُتَبُهُ بِتَفَاوُتِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ) صدق -رحمه الله تعالى- وهذا يدل على أن قوله: (تَامِّ الضَّبْطِ) فيه نظر، فلا يشترط التمام، وإنما يبلغ في الضبط كمالًا لكن لا يشترط أن يكون تامًا -والله أعلم-.

ثم ينبغي أن يُعلم أن الضبط عند العلماء نوعان: ضبط صدر، وضبط كتاب.

<<  <   >  >>