قوله:(فَإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ: فَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ) جعل الفرق بين الصحيح لذاته والحسن لذاته خِفَّة الضبط، قد ذكر الذهبي في كتابه (الموقظة) قال: أنا على إياس أن يُوجد ضابط للحديث الحسن. أي يقول: أنا على يأس أن يُذكر للحديث الحسن ضابط، فظن بعضهم أن الحافظ ابن حجر لما قال: فإن خفَّ ضبطه فهو الحديث الحسن، أنه قد أتى بالضابط، وهذا فيه نظر، وقد بيَّن هذا الصنعاني في كتابه (نتائج الأفكار)، فقال -رحمه الله تعالى-: وما ضابط خفة الضبط؟
فقد سبق أن الأحاديث الصحيحة يتفاوت رواته في ضبطه، ومن باب التقريب: من كان حفظه مائة بالمائة، يُقال صحيح، ومن كان حفظه تسعين بالمائة يُقال صحيح، ومن كان حفظه ثمانين بالمائة يُقال صحيح، ومن حفظه ثمانون بالمائة بالنسبة إلى مائة بالمائة قد خفَّ ضبطه، ومع ذلك يُقال صحيح، فإذن ما ضابط الخفة التي تجعل الحديث حسنًا؟
بهذا يُعلم -والله أعلم- أنه ليس للحديث الحسن ضابطٌ يُجزم به، فلذا ينبغي ألا يُشدد في ضابط الحديث الحسن، والعلماء الأوائل كانوا يُدخلون الحديث الحسن في الحديث الصحيح، وقد ذكر ابن تيمية الإجماع على ذلك، قال: حتى أتى الترمذي وقسَّم الحديث إلى أقسام ثلاثة، نقله عنه السخاوي في كتابه (فتح المغيث).
فكانت القسمة عند العلماء الأوائل صحيحًا وضعيفًا، فكل ما ليس ضعيفًا فهو صحيح، ويدخل في ذلك الحسن، وهذا أسهل وإن كان قد يقول عالم: هذا حديث حسن. ويُشير إلى أنه في أنزل مراتب الضبط، أي أنزل مراتب الصحة، لكن الحسن لا يخرج عن كونه صحيحًا.
وتقدم ذكر بعض المسائل في الحديث الصحيح، أما مسائل الحديث الحسن فإن هناك عدة مسائل وقد تقدم ذكر بعضها في ثنايا الشرح، لكن من المسائل:
• المسألة الأولى: أن العلماء الأولين يُدخلون الحديث الحسن في الحديث الصحيح، حكى هذا ابن تيمية إجماعًا فيما نقله السخاوي في كتابه (فتح المغيث)، فلذلك التقسيم عندهم ما بين صحيح وضعيف كما تقدم بيانه، وهذا أدق من التقسيم الثلاثي لما تقدم ذكره من أنه ليس هناك ضابط دقيق للحديث الحسن.
• المسألة الثانية: الذي قسَّم الحديث من حيث القبول إلى حديث صحيح وحسن وضعيف هو الترمذي -رحمه الله تعالى-، فهو الذي اشتهر عنه تقسيم الحديث إلى